نحن الآن في صبيحة يوم الاثنين , من شهر ربيع الأول سنة 571 م بين شعاب مكة
... وهاهم الباعة المتجولون يحيطون بالقطار الذي يوشك على المغادرة وكل ينادي على بضاعته.
وها هي أصواتهم تختلط بأصوات الطائفين حول الكعبة في مكة.
وقد شهدتم في هذا الصباح ميلاد الطفل اليتيم الذي ولدته آمنة بنت وهب , والتي لم يصبها في حملها شيء من أعراض الحمل الشاقة
وهاهو جده عبد المطلب مستبشراً فرحاً بحفيده يحمله ويذهب به إلى الكعبة ويدعو له
ويقترب منا أحد باعة الصحف المتجولين حول القطار لنقرأ في الصفحة الأولى عناوين أهم الأخبار:
فتقرأ رتاج هذا الخبر الذي أنتشر في أرجاء الأرض : قبل خمسة وخمسين يوما من هذا اليوم يهلك الله أبرهة وقومه عندما أرادوا هدم الكعبة .
تفتح الجوهرة صفحة الأخبار العالمية وتخبرنا : بأن زلزال مدمر يضرب عاصمة الفرس وسقوط أربعة عشر غرفة من إيوان كسرى.
وتدهشنا الكوكب المشع : بخمود نيران فارس التي يعبدها المجوس , ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة , وخوف كسرى وأعوانه من ذلك , وتأويله بأن حدث يكون من بلاد العرب
بينما ريف البوادي تطلع على الأخبار المحلية فتطلعنا على هذين الخبرين : الأول / أن الأصنام خرت وتزايلت عن أماكنها , وتمايلت على وجوهها .
والثاني / ظهور نور أضاءت له قصور الشام .
وتواردت علينا أخبار أخرى من جهات مختلفة من القطار عن اليهود , بأنهم أدركوا مطلع ولادة النبي الأخير , فهو عربي , بين كتفيه علامة , فيها شعرات متواترات , فإن لديهم علم من التوراة
وتخبرنا كليوباترا / أن محمد بن إسحاق روى عن حسان بن ثابت قال:والله؛ إني لغلام يفعة؛ ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بـ(يثرب): يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟! قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به.
تقارنت هذه الأحداث مع ولادة هذا الجنين المب
ها هي ثويبة مولاة أبي لهب تترك رضيعيها مسروح , وتترك أيضاً حمزة بن عبد المطلب بعد أن أتم العامين من عمره .
وتلحق بعبد المطلب لتأخذ منه الوليد الجديد لترضعه لأن أوان رضاعته قد حان..
- فهي أول مرضعة له بعد أمه آمنة -
وتقول لجده: ماذا ستسميه يا عبد المطلب.
ها هو القطار ينطلق وقد كان آخر ما سمعنا من الحوار رد عبد المطلب على ثويبة:
اخترت له اسم محمد ليكون محموداً عند الله في السماء ومحموداً في الأرض عند خلقه ولأولمن له وليمة أدعو قريشاً كلها لتشهد الاسم وتأكل ولأختننه يوم السابع كما هي سنة جده إسماعيل وإبراهيم
وجعجعة قطارنا , لا تهدأ
فينطلق بنا بعيداً في اتجاه البوادي الخضراء والربوع الرملية المتوهجة ...
ها هم رعاة الغنم ينطلقون بها نحو المراعي.. وتختلط أصوات الثغاء ومأمأة الخراف مع أصوات حنين الإبل ورغاء الجمال وبغام الظباء , والقطار يتيه بنا نحو بوادي بني سعد...
نلتقي في المحطة القادمة
مع حليمة و الطفل اليتيم ..