مما كتب به إلى أعيان فقهاء سلا
بعد البسملة و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وبعد الثناء على الله بما هو أهله قال رضي الله عنه :
وبعد
فقد وصلنا كتابكم وقرأناه ، وفهمنا ما تضمنه خطابكم ، و سألت فيه عن أحوالنا و أحوال أصحابنا . فاعلم أننا و الحمد لله بخير و على خير ، فله الحمد و له الشكر حتى يرضى بما يرضى ، وقد عمنا و عم أصحابنا بما عم به عامة المسلمين ، فالحمد لله على كل حال.
و نسأل الله عز و جل أن يحفنا و إياكم بلطفه في الدنيا و الآخرة ، و أن يغمرنا و إياكم بسوابغ فضله و كرمه حالا و مالا أبدا سرمدا ، و أن يكون لنا و لكم وليا و ناصرا و معينا و مؤيدا ، في جميع أحوال الرخاء و الشدة ، و أن يتحفنا و إياكم بكمال العافية و دوام العافية و عز العافية ، و الاستتار من جميع نواحينا بالعافية ، إنه ولي ذلك و القادر عليه .
و الذي أوصيك به ، و يكون عليه سيرك و عملك ، هو أن تعلق قلبك بالله ما استطعت ، ووطن قلبك على الثبوت لمجاري الأقدار الإلهية ، و لا تعود نفسك بالجزع من أمر الله ، فإن ذلك مهلك للعبد دنيا و أخرى .
وإن اشتد بك الكرب وضاق بك الأمر ، فالجأ إلى الله تعالى ، و قف موقفك في باب لطفه ، واسأل من كمال لطفه تفريج ما ضاق ، و زوال ما اشتد كربه ، وأكثر الضراعة و الابتهال إلى الله في ذلك ، و ليكن ذلك منك على حالة منفردِ القلب بالله منفردا عن الشواغل ، مثل حالة المرأة الكبيرة السن التي ليس لها إلا ولد واحد أخذ من بين يديها ليقطع رأسه فهي تتوسل بالله و بالناس في كشف ما نزل بها فإنها في هذا الحال ليس لها هم غير ولدها ، ولا يلتفت قلبها لأمر من أمور الدنيا و الآخرة ، فإن من كان على هذه الحالة و فزع إلى الله تعالى في نزول الكرب و الشدائد على هذا الحد ، و ناداه باسمه اللطيف ما استطاع أسرع إليه الفرج في أقرب وقت ، وإن لم يكن على هذه الحالة أبطأ به الأمر.
و إياك و الانهماك في مطالب دنياك حتى تتعدى حدود الله التي حدها في شرعه ، فتهلك نفسك ، و مالك ملجأ من الله ، وانظر قوله صلى الله عليه و سلم في الصحيح: " ألا و إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شيء أن تطلبوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته " ، و هذا هو البحر الذي ترى فيه جميع الخلق غرقى و هلكى ، إلا من عصمه الله بفضله .
ثم الحذر الحذر من تكرر الفزع إلى الله تعالى في كل كرب ، فإنك بذلك يصير لك الجزع من أمر الله عادة ولا تنتفع بحياتك ، بل يكون الأمر مرة و مرة ، مرة تثبت لأمر الله و لا تجزع و لا تطلب التفريج ، و مرة تسأل من الله التفريج ، فمن صار على هذا المنوال فتحت له أبواب السعادة الأخروية ، و تمكن من الحياة الطيبة الواقعة في قوله تعالى :{ و من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } النحل . و فيما ذكرناه كفاية ، و السلام عليكم و رحمة الله .