بِسْمِ الله الرَّحْمَانِ الرَّحِيم وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ و آلِهِ وَ صَحْبِهِ وَ سَلَّم
وَصِيَّةٌ لِجَمِيعِ الإِخْوَان : مِن العَبْدِ الفَقِيرِ إِلَى الله تَعَالَى أَحْمَد بن مُحَمَّد التِّجَانِي الحَسَنِي عَامَلَهُ الله بِلُطْفِهِ وَ فَضْلِه فِي الدَّارَيْن .السَّلامُ عَلَيْكُم وَ رَحْمَة الله وَ بَرَكَاتُه
وَ بَعْد
فَاعْلَمُوا رَحِمَكُم الله أَنَّ النَّاسَ مَا خُلِقُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا إِلَّا لِعِبَادَةِ الله تَعَالَى وَ تَوْفِيَةِ أَوَامِرهِ ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ ، وَ أَنَّ تَوْفِيَةَ أَمْرِ الله تَعَالَى وَ القِيَامَ بِحُقُوقِهِ مِنْ آكَدِ الوَاجِبَاتِ و أَعْظَمِ التَّوَجُّهَاتِ إِلَى الله تَعَالَى ، قَضَى بِذَلِك حُكْمُ الْمَرْتَبَةِ الإِلَهِيَّةِ و الشَّرَائِعِ النَّبَوِيَّةِ ، قَال سُبْحَانَه وَ تَعَالَى( وَ مَا خَلَقْتُ الجِنَّ و الإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون) -الذَّارِيَات- وَ قَال سُبْحَانَه و تَعَالَى( أَلَم أَعْهَد إِلَيْكُم يَا بَنِي آدَم أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان إِنَّه لَكُم عَدُوٌّ مُبِين و أَن اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم )
وَ قَال سُبْحَانَه وَ تَعَالَى : ( إِنّ هَذِه أُمَّتُكُم أُمَّة وَاحِدَة و أَنَا رَبُّكُم فَاعْبُدُون) وَ قَال سُبْحَانَه وَ تَعَالَى : ( و أَطِيعُوا الله و أَطِيعُوا الرَّسُول لَعَلَّكُم تُرْحَمُون ) وَ قَال سُبْحَانَه وَ تَعَالَى ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ و مَن يُطِع الله و رَسُولَه نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِين فِيهَا و ذَلِك الفَوْزُ العَظِيم و مَن يَعْصِ الله و رَسُولَهُ و يَتَعَدَّ حُدُودَهُ نُدْخِلْهُ نَارا خَالِدا فِيهَا و لَه عَذَاب مُهِين )
إِلَى غَيْر ذَلِك مِن الآيَات المطَّرِدَة فِي الحَثِّ عَلَى هَذَا الطَّلَبِ
ثُمّ آكَدُ مَا يُحَافَظُ عَلَيْهِ مِن أَمْرِ الله تَعَالَى هُو الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهَا و مُقْتَضَيَاتِهَا و لَوَازِمِهَا وَهِيَ مَضْبُوطَةٌ فِي كُتُب الأَئِمَّةِ، فَالوَاجِبُ لَهَا المُحَافَظَة عَلَى شُرُوطِهَا الْمَعْلُوْمَة ، وَ اسْتِكْمَالُ فَرَائِضِهَا الْمَشْهُورَةِ و تَثْقِيلُ هَيْئَتِهَا فِي الرُّكُوعِ و السُّجُودِ عَلَى الحَدِّ الَّذِي ذَكَرَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ و سَلَّمَ فِي الخَبَرِ الصَّحِيحِ بِقَوْلِهِ : "ثُمَّ تَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمّ تَرْفَعُ حَتَّى تَسْتَوِي قَائِمًا ، ثُمّ تَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمّ تَرْفَعُ حَتَّى تَسْتَوِي جَالِسًا ، ثُمّ تَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدا " ، وَقَال : "وَافْعَل فِي بَقِيَّةِ صَلَاتَكَ هَكَذَا "
وَاحْذَرُوا كُلَّ الحَذَرِ مِن الوُقُوعِ فِي الهَلَاكِ الَّذِي وَقَع فِيهِ النَّاسُ مِن عَدَمِ
مُبَالَاتِهِم بِّتَكْمِيل أَمْرِ صَلَاتِهِم ، فَإِنَّهُم يَنْقُرُونَهَا نَقْرَ الدِّيَكَةِ لِلحَبِّ ،
وَ ذَلِك مُبْطِلٌ لَهَا بِشَاهِدِ قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْه و سَلَّم فِي الخَبَرِ الصَّحِيحِ لِلرَّجُلِ الَّذِي رَآه يَفْعَلُ ذَلِك : "ارْجِع فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَم تُصَلّ " وَهُوَ يُصَلِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الهَيْئَة الَّتِي هِي الإِسْرَاعُ فِي الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ ، وَ فِي الرَّابِعَةِ عَلَّمَهُ الكَيْفِيَّةَ السَّابِقَةَ و قَد قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَ سَلَّم : " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَإِنَّهُ صَلَّى الله عَلَيْه وَ سَلَّم كَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ و السُّجُودَ بِالطُّمَأْنِينَةِ ، و حَقيقَةُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الشَّرْعِ : عَدَمُ الِاضْطِرَابِ ، و السُّكُونُ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ الرَّاكِعَ وَ السَّاجِدَ إِذَا بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ و السُّجُودِ يَتَرَاخَى فِيهِمَا قَدْرَ مَا يُسَبِّحُ الله تَعَالَى ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ بِالتَّرْتِيلِ فِي التَّسْبِيحِ ، لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، هَذَا أَقَلُّ الطُّمَأْنِينَةِ ، وَ مَنْ نَقَصَ عَنْ هَذَا القَدْرِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الخَبَرُ أَنَّهَا إِذَا صَلَّاهَا صَاحِبُهَا فَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا يَأْخُذُهَا المَلَكُ فَيَلُفُّهَا كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلِقُ ثُمَّ يضْرب بِهَا وَجْهَ صَاحِبِهَا
وَ المَطْلُوبُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَأْتِيَ الإِنْسَانُ لِصَلَاتِهِ مِثْلَ إِتْيَانِهِ لِنَوْمِهِ ، فَإِنَّ آتِيَ النَّوْمِ إِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ يُلْقِي عَنْهُ جَمِيعَ أَشْغَالِهِ ، ثُمَّ يَنَامُ مُنْحَطَّا لِلنَّوْمِ مُطْمَئِنّا غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ لِلفَرَاغِ مِنَ النَّوْمِ ، وَ لَا مُتُخَفَّفٍ لَهُ ، فَكَذَلِكَ حَالَةُ المُصَلِّي مَعَ صَلَاتِهِ ، يَأْتِيَهَا مُتَثَاقِلاً فِي آدَائِهَا ، قَدْ أَلْقَى كُلِّيَّته إِلَيْهَا ، تَارِكًا لِكُلَّ مَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا ، ثُمَّ يَفْعَلُهَا بِشُرُوطِهَا المَذْكُورَةِ . وَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا مُسْتَعْجِلاً ، لَا يَطْمَئِنُّ فِي رُكُوعِهَا وَ سُجُودِهَا عَلَى الحَدِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مِنْهُ ، وَ إِلَيْهَا يُشِيرُ قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْه وَ سَلَّم : " أَوَّلُ مَا يَنْظُرُ اللهُ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ العَبْدِ الصَّلَاةُ ، فَإِنْ قُبِلَتْ ينْظرُ فِي سَائِر عَمَلِه ، وَ إِنْ لَم تُقْبَل لَمْ يَنْظُر الله فِي شَيْءٍ مِن عَمَلِهِ "
ثُمَّ الوَاجِبُ لَهَا تَكْمِيلُ الطَّهَارَةِ مِنَ الحَدَثِ وَ الخَبَثِ فَليَتَعَلَّم العَبْدُ أَحْكَامَ الطَّهَارَةِ مِنَ الحَدَثِ بِتَكْمِيلِ غُسْلِ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ وَ ظَاهِرِ الجَسَدِ كُلِّهِ فِي الغُسْلِ ، وَ إِنَّ أَكْثَرَ العَامَّةِ اليَوْمَ مُتَلَاعِبُونَ فِي غَسْلِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ لَا يَسْتَكْمِلُونَهَا فَصَلَاتُهُمْ بَاطِلَةٌ ، يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ رَآهُم حَالَةَ الوُضُوءِ ، فَإِنَّ مَنْ فَسَدَتْ طَهَارَتُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ .
كَمَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ وَ لَمْ يَسْتَكْمِلْ اسْتِوَاءَ الْقِيَامِ مِنَ الرُّكُوعِ أَوْ مَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ اسْتِوَاءَ الجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَطلَت صَلَاتُهُ فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن وُقُوعِ الخَلَلِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الإِيمَانِ وَ أَعْمَالِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرُّوحِ مِن الجَسَدِ وَ إِذَا وُجِدَ الرُّوحُ وُجِدَت حَيَاةُ الجَسَدِ وَ إِنْ فُقِدَت الرُّوحُ مِنْهُ فُقِدَت الحَيَاةُ
ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ: المُحَافَظَةُ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ بِتَكْمِيلِ شُرُوطِ صِيَامِهِ، وَ لِيَحْذَر الإِفْطَارَ بِالعَيْشِ الحَرَامِ فَإِنَّهُ مُضِرٌّ بِالدِّينِ.
وَ أُوصِيكُمْ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ فِي الجَمَاعَةِ إِنْ كَانَ الإمَامُ يَسْتَكْمِلُ رُكُوعَهَا و سُجُودَهَا كَمَا سَبَقَ ،وَ إِلَّا فَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ ، وَ أُوصِيكُمْ بِإِتْقَانِ حِفْظِ فَاتِحَةِ الكِتَابِ وَ تَكْمِيلِ تِلَاوَتِهَا فِي الصَّلَاةِ بِالتَّرْتِيلِ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي أُنْزِلَتْ بِه ، لَا تَخْتَلّ ، فَإِنّ الفَاتِحَةَ مِن الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ العَمُودِ مَن البَيْتِ ، إِذَا سَقَطَ العَمُودُ سَقَطَ البَيْتُ فَحَافِظُوا عَلَيْهَا.
وَ عَلَيْكُم بِالمُحَافَظَةِ عَلَى آدَاءِ زَكَاةِ الأَمْوَالِ وَ الِاعْتِنَاءِ كُلَّ الِاعْتِنَاءِ بِهَا ، وَ حِفْظِ نِظَامِهَا وَ تَكْمِيلِ شُرُوطِهَا بِتَمَامِهَا عَلَى الحَدِّ المَحْدُودِ فِي كُتُبِ الفُرُوعِ المَبْسُوطَةِ .