قال سيدنا رضي الله عنه :
زبدة الأعمال الشرعية و غاية ارتفاعها هو التعلق بالله تعالى بلا انفصام و لا تزلزل ، و لو دهمت دهمات الفتن الصعبة التي لا ينجو منها إلا بانخلاع يده من سوى الله تعالى وانفصامه عنه ، فهذا غاية العمل و منتهاه ، و هذا هو الفقه في الدين.
يقول سبحانه و تعالى ذاكرا ما حل بالمنافقين من سوء الظن بالله و رسوله مما لحقهم من الضيق :{ إذ جاؤوكم من فوقكم و من أسفل منكم و إذا زاغت الأبصار... } إلى قوله:"{ غرورا}. الأحزاب. فهتك سبحانه و تعالى أستار المنافقين من سوء الظن و الكذب حيث قال :{ قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم...} إلى قوله:"{ فأحبط الله أعمالهم} . الأحزاب.
وأخبر الله تعالى عن الطائفة الأخرى حيث قالوا :{ إن بيوتنا عورة ، و ما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا } ، ثم أخبر سبحانه و تعالى عن أكابر المؤمنين حيث يقول: { و من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا} . الأحزاب. كما قال عنهم { و لما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله و ما زادهم إلا إيمانا و تسليما }. الأحزاب.
هكذا هو ثبوت التعلق بالله تعالى و عدم الانفصام عنه إذا هاجت أمواج الفتن الصعبة ، و ليست هذه إلا صفة العارفين بالله تعالى ، فهذا هو الفقه في الدين و على هذا ينزل صفاء اليقين.
أما عين الفقه في الدين فهو انكشاف صفات الله تعالى و أسمائه الباطنة و تكميل القيام بحقوقها و آدابها ، وهو خارج عن دائرة الفقهاء لا يصل إليه إلا النبيون و الصديقون و العارفون ، وهو المشار إليه في الحديث قال صلى الله عليه و سلم : " ما عُبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين و لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ".
من كتاب " جواهر المعاني " لسيدي علي حرازم برادة رضي الله عنه