اعلم أن الزيارة هي قصد المزور لأمر دنيوي أو أخروي، أو لله عز و جل خالصا، أما الأخير فلا يعرفه إلا أصحاب الفتح، و أما أهل الحجاب فلا يعرفونه كما قال سيدنا رضي الله عنه: " العامة لا يعرفون العمل لله تعالى."
و أما القصد للولي في أمر أخروي ، فهو لا بأس به لمن لم يتقيد بطريقة شيخ كامل ، و إلا ينقطع عنه إن قصد التعلق و الإستمداد ، كما هو ممنوع في طريقتنا المحمدية التجانية مع شرط تعظيم ساداتنا الأولياء قدس الله أرواحهم في الجنان.
أما من يزورهم لأغراضه و يظن أنه يعظمهم فدعواه باطلة عند من أنصف، لأن قصد المزور من الأولياء رضي الله عنهم لأمر دنيوي لا ينبغي، و من فعله فهو على خطر عظيم وهو سعيد إن سلم منهم كما قاله الشعراني رضي الله عنه.
واعلم أن هذه الزاوية المباركة ، قد صانها الله و لله الحمد من البدع التي عمت بها البلوى ، و لم تفد فيها لمن كلامهم مسموع شكوى ، من نحو لعب الصبيان في المساجد و الزوايا ، واختلاط الرجال بالنساء ، كما يفعله من لا خلاق لهم لا سيما في مواسم الخيرات ، فلا تسأل يا أخي عما يقع في المساجد من المنكر و قليل من أهل الخير من يسلم من ذلك ! و رضي الله عن سيدنا التجاني الذي طهر زاويته من هذا البلاء العظيم!
ثم اعلم أنه قبل إنشاء الزاوية المباركة ، كان أصحاب سيدنا رضي الله عنه غالبا يجتمعون لذكر الوظيفة بباب داره رضي الله عنه بمدينة فاس ، و تارة في بعض مساجدها إلى أن أمر النبي صلى الله عليه و سلم سيدنا رضي الله عنه ببناء الزاوية المباركة ، و أن يختار لها أحسن البقاع و أطيبها ، فاختار رضي الله عنه بإشارة منه ، الموضع الذي بنيت فيه ، بحومة الدرداس المعروفة اليوم بالبليدة ، فاشترى رضي الله عنه من ماله الطيب الحلال ذلك الموضع و كان خربة منهدمة ، و كانت فيها كرمة كبيرة ، و بموضعها دفن سيدنا رضي الله عنه ، و كانت تلك الخربة مهيبة لا يقدر أحد أن يدخلها وحده ، و قد بلغني على لسان الثقة أنه كان يُسمَع فيها في بعض الأحيان كأن جماعة يذكرون فيها و كان يقصدها غالب مذاجيب فاس .
و كان قبل بنائها يأتي إلى تلك الخربة المذجوب المشهور سيدي اللهبي و يجعل أذنه على بابها و يقول للمارين ائتوا لهذا الموضع تستمعوا للذكر ، فلما أنشئت الزاوية هناك ، صار يقول في الزقاق على عادة المجاذيب ، تحصنت فاس خصوصا الدرداس - و كانت حومة البُلَيْدة تسمى الدرداس- .
ثم اشترى سيدنا رضي الله عنه ما جاورها ، و كان من جملة ما أضاف إليها بيت محبس على امرأة ، و قد أرضاها سيدنا رضي الله عنه في ثمنه ، بإذن من النبي صلى الله عليه و سلم كما حدث بذلك سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه .
و لما أراد سيدنا رضي الله عنه بناءها تعصب أهل فاس و صارت كلمة مبغضيه واحدة على عدم بنائها ، و بلغ الأمر لأمير المؤمنين مولانا سليمان قدس الله روحه في الجنان ، فأجبرهم القبول بالبناء لما شاهده من كرامات سيدنا رضي الله عنه ، و أرسل إليه صرة مال إعانة على بنائها ، و نفذ له كل ما يحتاج إليه ، فرد سيدنا ذلك كله إليه ، و قال:" لست أحتاج إلى شيء مما أمرتنا به و الزاوية أمرها قائم بالله . "
و كان أول إنشائها و بنائها عام عشر و مائتين و ألف.
واعلم أن هذه الزاوية المباركة لها من المزايا ما افتخرت به على جميع الزوايا ، حتى أن سيدنا رضي الله عنه كان يتكلم يوما في فضلها فقال : " لو علم أكابر العارفين ما في الزاوية من الفضل لضربوا عليها خيامهم " و كان رضي الله عنه كثيرا ما ينوه بقدرها و يحض على الصلاة فيها و يقول : " الصلاة في الزاوية مقبولة قطعا ."
و قد بسط صاحب البغية القول على هذه المزية و ملخص ما قاله نفعنا الله به :
... و هذه الكرامة من جملة ما يذكره المشايخ الكبار لمن تعلق بهم من الصادقين الأبرار على طريق الرجاء في فضل الله تعالى الذي لا يحد بقياس و لا يعد بمقدار ، لئلا يفوت الراغبين في كرم الله هذا الفضل العظيم إن حققه الله ، و ليس في هذا و مثله مما يصدر من كمل أهل الله ما يوجب استغناءً عن العلم و العمل و لا أمنا من مكر الله ، فالتكليف باق بحاله و الخوف و الرجاء بحالهما كذلك ، و إن شذ جاهل فاغتر فلا التفات له و لا لأشكاله ...
و إذا تقرر أن شرف الأمكنة ليس لذاتها و إنما هو لما يودعه الله فيها بسبب من يحل بها من الأنبياء و الأولياء ، فأي شيء يستبعد في أن يكرم الله تعالى هذا الشيخ الجليل القدر عنده بأن يجعل زاويته ، التي هي مصلاه و محل توجهه إلى الله و مظنة لحضور روحانية سيد الوجود صلى الله عليه و سلم الذي هو أشرف خلق الله ، أهلا لأن تتلقى أعمال العاملين بها القبول لما حصل لها من التخصيص و التكريم من أجل هذا القطب الأكرم...
و قد ورد :" من صلى مع مغفور له غفر له." ، و إذا حفت الصلاة بحضور قلب و سكون و تؤدة مع جماعة من فضلاء أصحاب الشيخ مع ما سرى إليها من فضيلة البقعة و بركة منشئها و سر الإذن في الصلاة بها و غير ذلك فلا يبعد أن ترتقي في الفضل إلى درجة القبول بفضل الله تعالى...
و هذه الكرامة لا تقتضي تفضيل الزاوية المباركة على غيرها من المساجد التي ورد النص بتفضيلها لأنها مزية فقط، و المزية لا تقتضي التفضيل.
و من خصائص هذه الزاوية المباركة، أن أرضها لا يدفن فيها أحد، تطهيرا و تعظيما. و قد شدد سيدنا رضي الله عنه في ذلك حتى قال : "من يدفن في الزاوية تأكله النار لا محالة "و قد كتب سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه ابن سيدنا رضي الله عنه و خليفته إلى بعض خاصة أصحاب سيدنا رضي الله عنهم كتابا يأمرهم فيه أن يشتروا رخامة و يكتبوا فيها بالنقش ما معناه :" و أن من يدفن في هذه الزاوية تأكله النار لا محالة بوعد صادق منه صلى الله عليه و سلم ،كما سمعتم أنتم من أستاذنا في حياته ، وهو في عملكم إلا أن تجهلوه ،و حين تكتبونه تجعلونه تجاه وجه سيدنا في الحائط لئلا تندرس أبدا ، فمن بدل أو غير فالله حسيبه و متوليه [ و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون] ...
وأما نحن ، فما خوفنا من هذه الساعة التي أنتم فيها ،بل من ساعة أخرى تندرسون أنتم و يأتي قوم بعدكم حدثاء الأسنان فيضلون من بعدكم و يهلكونهم و إياهم ، و نحن لا نرضى لأحد من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم أن تأكله النار ...".
وقد امتثلوا الأمر وهي الرخامة التي في وسط الحائط المقابل لباب الزاوية القديم مطوقة بأبيات تحتوي على هذا المعنى من نظم المقدم البركة الشريف سيدي الطيب السفياني رضي الله عنه .
ثم زيد في الزاوية عام 1302 للهجرة ما هو من جهة المحراب الجديد، ثم ماهو من جهة السقاية مع الباب الجديد بتاريخ 1316 للهجرة ، و في سنة 1322 رصع بالتزليج و التزويق وجه الجدار المقابل لضريح سيدنا رضي الله عنه ، و في أوائل سنة 1324 زيد في الزاوية المزارة التي التي بين البابين و لازالت الزاوية المباركة أمرها قائم بالله مصداقا لما أخبر به سيدنا رضي الله عنه و لا زالت الإضافات فيها إلى يوم الناس هذا ( أنظر في الركن الخاص بالصور) .
كيفية الزيارة
موضع زيارته رضي الله عنه يكون من جهة رجليه المباركتين قبالة وجهه .
و كيفية زيارته رضي الله عنه كما بلغنا عن صاحب سيدنا الولي الكبير و العارف الشهير أبي عبد الله سيدي الغالي بوطالب رحمه الله :
أن تقابل الضريح و أنت تقرأ التحيات لله إلى و رحمة الله سبع مرات
و في الثامنة تتمها إلى و رسوله
ثم تقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله السلام عليك يا أيها القطب المكتوم السلام عليك يا سيدنا و شيخنا و مولانا أحمد التجاني
ثم تقرأ الفاتحة سبع مرات و صلاة الفاتح أزيد من 11 مرة و تهدي ثواب كل ذلك للشيخ رضي الله عنه.
ثم تقول : اللهم بحق عبادك الذين إذا نظرت إليهم سكن غضبك و بحق الحافين من حول العرش و بحق سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و بحق سيدنا و شيخنا و مولانا أحمد التجاني افعل لي كذا و كذا و يسمي حاجته فإنها تقضى إن شاء الله .
مقتطف من" كشف الحجاب" و "بغية المستفيد" بتصرف