أولياء الله تعالى هم أحبابه وأهل خاصته. يحبهم ويحبونه لأنهم طلبوا ما عند الله والدار الأخرى. ولذلك عرفهم الحق تبارك وتعالى في قوله:
{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم }
إنهم أولئك الذين يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ولذا تعهدهم الله بحفظه ورعايته:
{إن الله يدافع عن الذين آمنوا}
وفي الحديث القدسي يقول المولى عز وجل: "من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب .." ولذا أيدهم الله تعالى بالكرامة وهي كل أمر خارق للعادة يظهره الله على يد الولي وكرامات الأولياء معجزات للأنبياء لأنها دليل ولايتهم لصدقهم في الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن التأسي به وبأصحابه الكرام.
لقد عرفوا ربهم عز وجل فعبدوه كما يحب ربنا ويرضى "إنما يخشى الله من عباده العلماء: فرضى الله عنهم وأرضاهم، فهم سادة الأمة وأدلة مسيرتها على طريق الحق والهدى ولذلك دعينا إلى الاقتراب منهم والاهتداء بسلوكهم ومناهجهم لأنهم خير الناس معرفة بربهم عز وجل، يقول الإمام الشافعي رضى الله عنه: "إذا لم يكن الأولياء هم العلماء فمن يكونون إذا؟".
وقد مر بنا أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته مأمور بها مندوب إليها لكل من استطاع ذلك من الرجال والنساء على حد سواء لمن سكن المدينة المنورة ولكل مسلم على وجه الأرض في أي مكان في العالم. للحاج والمعتمر ولغيرهما ممن يقصدون القيام بالزيارة المباركة.
وكذا زيارة قبور وأضرحة الأولياء والشهداء والعلماء وقبور سائر المؤمنين. مأذون فيها ومرخص بها ومدعو إليها لكل من شاء من عباد الله لدخولها جميعا في عموم الأمر النبوي الشريف "نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة".
وقد ثبت ذلك بصحيح الروايات من تكرار زيارته صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع للدعاء والاستغفار لهم بأمر من الوحي الشريف.
فقد روي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن جبريل أتاه. فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم. قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟
قال: "قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية"
كما كان صلوات الله وسلامه عليه يقوم بزيارة قبور الشهداء في أحد وبدر ويدعو لأصحابها وزيارة قبر أمه صلى الله عليه وسلم.
كما أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بقبر أو بقبور وقف ودعا واستغفر لأصحابها وأمر بذلك من كان معه. ولربما كان يسأل عن بعض أصحاب القبور. ثم يصف الناس خلفه ويقف ليصلي عليه كما فعل مع تلك المرأة التي كانت تقم مسجده الشريف وغيرها كما سبق بيانه.
وجمعا لهذه الأدلة وتلك المرويات. قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلي:
ونستحب زيارة القبور، وفرض ولو مرة، ولا بأس بأن يزور المسلم قبر حميمه المشرك الرجال والنساء سواء.
ثم استدل بحديث ابن أبي بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"
وحديث زيارته لقبر أمه، ثم قال: وقد صح عن أم المؤمنين وابن عمر وغيرهما، زيارة القبور وروي عن عمر النهي عن ذلك ولم يصح أ . هـ .
هذا وقد ذهب جمهور من العلماء إلى أن زيادة أضرحة ومشاهد آل البيت النبوي وذرياتهم وسائر العلماء والصالحين سنة مأمور بها لأنها داخلة في عموم الأمر بزيارة القبور والأمر عند الأصوليين للوجوب ما لم يصرفه صارف عن ذلك، وقالوا أيضا: إن الأمر بعد النهي يكون للوجوب، وزيارة القبور قد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد النهي عنها.
لذا يرى العلماء أن حكم الزيارة الندب إ لم يكن أعلى من ذلك، وهذا هو الذي جعل الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى وسائر علماء الظاهرية يقولون بوجوب زيارة القبور ولو مرة واحدة.
لذلك كان العلماء والأئمة يحرصون على زيارة أضرحة ومشاهد العلماء والأولياء، وذلك طلبا للعظة وتذكر الآخرة تبركا بالصالحين والتضرع إلى الله بالدعاء في رحابهم تبركا بهم لمظنة القبول في تلك الأماكن الطاهرة والتي تشرفت بسكنى أولياء الله الصالحين بها:
{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة }
ومعلوم أن تلك القبور يؤمها ملائكة الرحمة ممن لا يعلم عددهم إلا الله تعالى فيؤمنون على دعاء الداعي ويستغفرون له، وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم وهم يفعلون.
كما أن في زيارة الصالحين في قبورهم الكثير من معنى المودة وإظهار المحبة لهم، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بمودة أهل البيت رضي الله عنهم في آية عامة لم تفرق بين مودتهم في الحياة وبين مودتهم بعد موتهم فقال الله تعالى:
{قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}
روي الواحدي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت: يا رسول الله من هم هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "علي وفاطمة وأبناهما" ورواه الزمخشري في الكشاف.
ومودة الصالحين بزيارتهم في قبورهم، لأن الموتى أحياء حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى. فهم يعرفون زائريهم ويفرحون بهم ويأنسون بوجودهم، والمرويات الصحيحة عن العلماء كثيرة في هذا الشأن وقد حوتها مصنفات وكتب موثقة عند العلماء وقد كان الصحابة رضي الله عنهم عندما يذهبون للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلمون على صاحبيه أبي بكر وعمر ويدعون لهما.
وكانت سيدتنا الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزور قبر عمها حمزة رضي الله عنه ومعها بعض النساء، كما كانت سيدتنا أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها تزور قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما.
وكذلك كان العديد من كبار الصحابة يفعلون، فقد روي الابشيهي في المستطرف روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رجع من صفين ودخل أوائل الكوفة، رأى قبرا. فقال قبر من هذا؟ فقالوا: قبر خباب بن الارت. فوقف عليه وقال: "رحم الله خبابا. أسلم راغبا. وهاجر طائعا. وعاش مجاهدا. وابتلى في جسمه أخرا. ألا وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا" ثم مشى: فإذا هو بقبور. فجاء حتى وقف عليها، وقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وبكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز عنا وعنهم طوبى لمن ذكر الميعاد وعمل ليوم الحساب وقنع بالكفاف ورضى عن الله تعالى.
ثم قال: يا أهل القبور أما الأزواج فقد نكحت. وأما الديار فقد سكنت وأما الأموال فقد قسمت. وهذا ما عندنا. فما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه وقال: أما أنهم لو تكلموا لقالوا: وجدنا غير الزاد التقوى. أ . هـ.
وكذلك كان التابعون يفعلون ومن بعدهم الأئمة. وهم كانوا في عصر زاهر يتميز بتدوين العلوم الإسلامية والأحكام الشرعية. ولم ينازع في هذا الأمر أحد يذكر فقد روي أن الإمام الشافعي رضي الله عنه كان يزور قبري الإمامين أبي حنيفة وموسى الكاظم رضي الله عنهما ويدعو لهما ويدعو عندهما. وكذلك كان يفعل الإمام احمد بن حنبل رضي الله عنه الذي كان يزور قبر معروف الكرخي. وكان الحسن الخلال يزور قبر موسى الكاظم وكان العديد من العلماء يزورون قبر الإمام احمد بن حنبل رضي الله عنه ويتوسلون به. وقد ثبت ذلك من روايات عديدة. وكذلك يقوم العلماء الكبار في مصر منذ أزمان بعيدة بزيارة قبور أهل البيت النبوي وقبور غيرهم من العلماء والأولياء، ولم يعترض عليهم أحد ممن عنده علم يذكر، وإنما اعترض الجاهلون وأصحاب التأويلات المغرضة.
وفي بلاد الشام يكثر أهلها من زيارة قبري العالمين الفاضلين ابن تيميه وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى، رغم أنف المعارضين، كما حدثني بذلك بعض علماء سوريا وقال لي أن الناس يزورون قبريهما ويتوسلون بهما إلى الله تعالى، يا للعجب!!.
إن الموتى أحياء في قبورهم حياة برزخية ولهم علاقة أكيدة بالأحياء، دل على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث رد الميت السلام على الزائر ومعرفته. وبتشريع السلام على الموتى عند قبورهم، يدل على ذلك ما روي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن جبريل أتاه .. الحديث وقد سبق ذكره وكذا الأحاديث الواردة في هذا الشأن فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحادث الموتى كما ثبت في المرويات الصحيحة. وبما جاء في كتاب الله تعالى من قوله عز وجل:
{ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم}
ففي الآية دلالة على أن العلاقة مازالت قائمة بين الأحياء والأموات،
ويزيد الأمر وضوحا حديث القليب فقد أخرج البخاري ومسلم من وجوه عديدة عن أبي طلحة وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فالقوا في طوي من اطواء بدر فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماهم: يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة يا فلان بن فلان أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فأنى وجدت ما وعدني ربي حقا.
فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها. فقال عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده ما أنت باسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون"
وروى البخاري في الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكاه فأقعداه.." ثم ذكر الحديث في سؤال القبر.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى وارث علم ابن تيميه وتلميذه النجيب:
وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد. والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به، ثم ذكر جملة منها في كتابه "الروح".
وشيخه ابن تيميه رحمه الله تعالى وغفر له يقول كما جاء في الفتاوى الكبرى:
سئل الشيخ عن الأحياء إذا زاروا الأموات. هل يعلمون بزيارتهم؟ وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيرهم؟
فأجاب: الحمد لله. نعم جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري قال: إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير في الدنيا. فيقبلون عليه ويسألونه، فيقول بعضهم لبعض: انظروا أخاكم يستريح فإنه كان في كرب شديد، قال: فيقبلون عليه ويسألونه: ما فعل فلان، وما فعلت فلانه، هل تزوجت؟ .. الحديث
وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه، فف حديث ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام".
قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وصححه عبد الحق صاحب الأحكام.
ولقد آثرت النقل عن ابن تيميه وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى في هذه القضية لأرد بذلك افتراء المفترين ممن يزيفون أقوالهما في بعض القضايا.
وأقول: إن الله سبحانه وتعالى قد وهب أولياءه الصالحين مواهب وخصائص روحية هائلة وهذه المواهب وتلك الخصائص من متعلقات الروح. ولا ارتباط لها بالجسد البتة.
فالولي حين يموت ترتفع خصائصه ومواهبه الربانية مع روحه إلى برزخه، ولروحه علاقة كاملة وأكيدة بقبره بدليل ما سبق ذكره من أحاديث وآثار صحيحة.
وممن جاء تكريم هؤلاء الأكابر من أولياء الله الصالحين من أصحاب الأضرحة والمشاهد يقول الشيخ عبد الرحمن الجزيري رحمه الله تعالى في كتابه "الفقه على المذاهب الأربعة":
زيارة القبور مندوبة للاتعاظ وتذكر الآخرة. وتتأكد يوم الجمعة ويوما قبلها ويوما بعدها عند أبي حنيفة والمالكية، وخالف الحنابلة والشافعية.
الحنابلة قالوا: لا تتأكد الزيارة في يوم دون يوم.
والشافعية قالوا: تتأكد من عصر الخميس إلى طلوع شمس السبت وهذا قول راجع عند المالكية. وينبغي للزائر أن يشتغل بالذكر والدعاء والتضرع والاعتبار بالموتى وقراءة القرآن للميت، فإن ذلك ينفع الميت على الأصح. ومما ورد أن يقول الزائر عند رؤية القبور ، اللهم رب الأرواح الباقية والأجسام البالية، والشعور المتمزقة الجلود المتقطعة والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة. انزل عليها روحا منك وسلاما مني ـ ومما ورد أيضا أن يقول: ـ السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ـ ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة أو بعيدة، وخالف الحنابلة فقالوا: القبور إذا كانت بعيدة لا يوصل إليها إلا بسفر فزيارة مباحة لا مندوبة.
بل يندب السفر لزيارة الموتى خصوصا مقابر الصالحين.
أما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهي من أعظم القربات.
وكما تندب زيارة القبور للرجال. تندب أيضا للنساء والعجائز اللاتي لا يخشى منهن فتنة إن لم تؤد زيارتهن إلى الندب أو النياحة وإلا كانت محرمة أما النساء اللاتي يخشى منهن الفتنة ويترتب على خروجهن لزيارة القبور مفاسد كما هو الغالب على نساء هذا الزمان. فخروجهن للزيارة حرام باتفاق الحنفية والمالكية.
أما الحنابلة والشافعية قالوا: يكره خروج النساء لزيارة القبور مطلقا سواء كن عجائز أو شواب إلا إذا علم أن خروجهن يؤدي إلى فتنة أو وقوع محرم. وإلا كانت الزيارة محرمة وينبغي أن تكون الزيارة مطابقة لأحكام الشريعة. فلا يطوف حول القبر. ولا يقبل حجر ولا عتبة ولا خشبا. ولا يطلب من المزور شيئا إلى غير ذلك. انتهى.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في كتابه الإقناع:
ويندب زيارة القبور التي فيها المسلمون للرجال بالإجماع وكانت زيارتها منهيا عنها. ثم نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم ـ كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزروها ـ ويكره زيارتها للنساء لأنها مظنة لطلب بكائهن ورفع أصواتهن.
نعم يندب لهن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها من أعظم القربات وينبغي أن يلحق بذلك بقية الأنبياء والصالحين والشهداء.
ويندب أن يسلم الزائر لقبور المسلمين مستقبل وجه الميت قائلا بما علمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه إذا خرجوا للمقابر ـ السلام على أهل الدار من المؤمنين والمسلمين وإنا شاء الله بكم لاحقون. اسأل الله لي ولكم العافية أو السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ـ رواهما مسلم. زاد أبو داود اللهم لا تحرمنا أجرهم لا تفتنا بعدهم ..، ولكن بسند ضعيف. وقوله "إن شاء الله" للتبرك.
ويقرأ عندهم ما تيسر من القرآن فإن الرحمة تنزل محل القراءة. والميت كحاضر ترجى له الرحمة ويدعو له عقب القراءة. لأن الدعاء ينفع الميت. وهو عقب القراءة أقرب إلى الإجابة، وأن يقرب زائره منه، كقربه منه في زيارته حيا، احتراما له. قاله النووي. ويستحب الإكثار من الزيارة، وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل. انتهى.
فزيارة قبور الأنبياء والعلماء والشهداء والأولياء مأمور بها ومندوب إليها. فهي عمل مشروع يثاب فاعله إذا أقامه على وجهه الصحيح ولا يعاقب تاركه. اللهم إلا ما كان من ترك زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للقادر عليها. فإن هذا من الجفاء كما دلت على ذلك الأحاديث والآثار الصحيحة.
هذا ولم يرد في السنة ولا في أقوال التابعين والعلماء أن زيارة أضرحة ومشاهد الأولياء منهي عنها. وأبدا لا يكون الحب للصالحين شركا بالله تعالى. فإن من أحب الله تعالى أحب أولياءه ومن محبتهم زيارتهم وعدم جفائهم فالجفاء لا يدل على الحب. ومن حاربهم أو عاداهم فهو في حرب معلنة من الله تعالى له كما روي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب" روي الشيخ احمد بن حجازي الفاشني في المجالس السنية في شرح الحديث:
قال الفاكهاني رحمه الله: من حاربه الله أهلكه. وقال غيره: إيذاء أولياء الله علامة على سوء الخاتمة كأكل الربا عفانا الله تعالى من ذلك فمن والى أولياء الله تعالى أكرمه الله ومن عادى أولياء الله أهلكه الله. قال أبو تراب النخشبي رحمه الله: من ألف الإعراض عن الله صحبته الوقيعة في حق أولياء الله. انتهى.
وروى الإمام احمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم ونحن بالأثر" رواه الترمذي وحسنه.
ولزيارة قبور أولياء الله الصالحين. آداب سلوك يجب على الزائر الالتزام بها لينال الغرض الذي شرعت الزيارة من أجله وهو العظة وتذكر الآخرة والدعاء بجوار الصالحين تبركا بهم. والمودة لأصحاب هذه القبور.
يقول الإمام الشعراني رحمه الله تعالى في آداب الزيارة:
هي: التشوق إلى المزور والجزم بفضله وطهارته من المعاصي المعنوية والحسية والتماس بركة دعائه وخلوص النية بأن يكون الباعث على الزيارة. امتثال أمر الشارع وحفظ اللسان من الوقوع في أعراض الناس، وإن كان هذا عاما، وإن خلت الزيارة عن هذه الآداب فلا نفع بها ولا ثواب عليها، بل هي تكلف ونفاق.
وإذا زرته بحسن القصد وحسن الآداب والتوسل به إلى ربك إن كان من الموتى كان من أهل الله فلابد لك من المدد الأوفر. فإنه سبحانه وتعالى قد وكل بقبور الأكابر ملائكة يقضون حوائج الزائرين لأن أهل الله محل الكرم والسخاء أحياء وأمواتا. ومن دخل بيت الكريم لا يرجع من غير مدد لاسيما إذا كانوا من أهل البيت رضي الله عنهم.
ويقول الشيخ الشبلنجي في نور الأبصار نقلا عن درر الأصداف:
وينبغي على الزائر أن يقول عند ولايته وليا من الأولياء أو أي أحد من أهل البيت "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد".
اللهم أنك قد ندبتني لأمر فهمته وقلته وسمعته وأطعته واعتقدته وجعلته أجرا لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم. إذ هديتنا به إليك، ودللتنا به عليك. وكان كما قلت "وكان بالمؤمنين رحيما" حبيباً إليه ما هديتنا عزيزا عليه عنتنا، وتلك الفريضة التي سألتها له. وهي المودة في القربى. اللهم أني مؤديها مريدا بها النفع في ديني ودنياي، متوسلا بها إليك يوم انقطاع الأسباب، اللهم زدهم شرفا وتعظيما، وهب لي بزيارتهم ثوابا ومغفرة وأجرا عظيما.
السلام عليكم يا بني المصطفى، يا بني الزهراء، اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد. اللهم بلغني ما أملت وما رجوت، وأعد علي وعلى المسلمين من بركاتهم يا رب العالمين. انتهى.