سئل سيدنا رضي الله عنه بما نصه :
سيدنا أدام الله علوك وارتقاءك بين لنا حقيقة الكشف الصحيح إذا خالف النص الصريح ماذا يقدم ؟
فأجاب رضي الله عنه :
اعلم أن النص الصريح لا يختلف مع الكشف الصحيح لا مادة و لا نهاية فكلاهما واحد من عين واحدة ، لأن النص الصريح من ذات سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم برز، سواء كان حديثا أو قرآنا ، و الكشف الصحيح لأربابه من فيض حقيقته المحمدية فاض ، ففي كلاهما كان صلى الله عليه و سلم واسطة وهما من عند الله منشأً.
فلذا فهما لا يختلفان لأن الكشف الصحيح لا يدل إلا على ما دل عليه النص الصريح بتصريح أو بتلويح أو بتضمين.
فالمكاشف في بعض أحواله إذا توجه مطالعا لحكم في مسألة يريدها إن رآها نورا أو اكتسبت نورا أو أحاط بها النور علم أنها مطلوبة شرعا إما وجوبا أو ندبا ، وإن رأى المسألة ظلمة أو كستها ظلمة أو أحاطت بها ظلمة دل على أنها مطلوب تركها شرعا أو تحريما أو كراهة ، و إن رآها في كشفه لم يقع عليها لا نور و لا ظلمة دل على أنها مباحة لا يطلب فعلها و لا تركها ، وقد ينتقل حكم المباح إلى الوجوب أو التحريم لعارض في الوقت إذا كان يؤدي ارتكابه إلى محرم ، أو كان يتوقف على تحصيل واجب أو مندوب ،و إلا بقي في حيز الإباحة .
و إن أفتاك المُفتون في المسألة فاستفت فيها قلبك ولا يكون هذا إلا للعارف الكامل فقط ، فإنه صاحب الكشف الصحيح لبعد نفسه عنه ، فقد حيل بينه و بين نفسه بأنوار القدس ، فكل ما يتوجه له في أموره هو من الله تعالى لكن في أمور دينه لا أمور دنياه ، فإنه في أمور دنياه كسائر الخلق.
و قد قال الشاذلي رضي الله عنه كنت كثيرا ما أبحث في كلام القوم حتى قال له الحق في بعض وقائعه ناهيا له عما يبحث عنه من كلام القوم:" تعريفي لك يغنيك عن علم الأولين و الآخرين ما عدا علم النبيين و المرسلين." و هذا هو الأصل المرجوع إليه ، لا واسطة بين الله و بين العباد إلا النبوة و من رام الخروج عنها طالبا للأخذ عن الله من غيرها كفر و خسر الدنيا و الآخرة.
أما معنى ما يذكر عن أخذ العلم عن الله بغير واسطة ، فإنه نفي الواسطة المشهودة أي أنه لا يشهد واسطة بينه و بين الحق لكنها موجودة في نفسها , وإن كانت غير مشهودة له وهي الحقيقة المحمدية ، لأنه لا مطمع لأحد في درك حقيقتها فضلا عن مشاهدتها فإنها أخفى من السر الخفي ، لذا يرى نفسه يأخذ العلم عن الله بلا واسطة وما برز له ذلك العلم إلا من الحقيقة المحمدية ، وإن رآه من الحق مباشرة فهو مغطى عليه بحجاب التلبيس ، هذا هو أخذ العلم بلا واسطة.
وأما أن يتوهم أن العقل أو غيره يأخذ العلم بغير واسطة الحقيقة المحمدية مجردا عنها فهذا لا سبيل إليه وهو وهم باطل، و إنما نفي الواسطة في حقه نفي شهودي لا نفي وجودي .
من كتاب "جواهر المعاني" لسيدي علي حرازم برادة رضي الله عنه