الجواب
أخي الكريم
بالنسبة لسؤالك حول نشر الرداء الأبيض في الوظيفة
يجب العلم أولا ان هذا ليس من شروط الذكر بل من مستحباته
وأصله كما ورد في كتاب " كشف الحجاب " لسيدي الحاج احمد سكيرج انه قبل انشاء الزاوية كانت الوظيفة تقرأ بباب دار الشيخ احمد التجاني رضي الله عنه وهو حاضر معهم ، لكن حيث كان المكان محل توارد الناس للزيارة و المرور أمر بنشر ثوب يعم البقعة كلها اي وسط الحلقة ، و يكون محقق الطهارة ثم يطوى و يصان الى المرة القادمة
ثم بعد انشاء الزاوية استمر الاخوان على ذلك العمل بمرأى و مسمع من الشيخ رضي الله عنه لاستحسانهم له لما فيه من الادب الخاص و لأنه معين على الحضور... ثم تتابع الناس في سائر الأقطار على هذا العمل الا القليل النادر
جاء في "الفتح الرباني"
ورد في اقوال السادة الصوفية انه ينبغي تعظيم محل الذكر و المبالغة في طهارته ووضع الطيب فيه
و قال في البغية ، قال في شرح الحسن، و جاء عن الامام الجليل ابي ميسرة رضي الله عنه قال لا يذكر الله الا في مكان طيب
و نقل صاحب تهذيب الاذكار : ينبغي تطييب المجلس بالرائحة الطيبة لاجل الملائكة و الجن وقطع العلائق المشوشة
وهل لنشر الازار معنى الا التعظيم للذكر و المبالغة في النظافة الى ان قال العلماء بأنها مستحبة
يقول الشيخ محمد الحافظ المصري رضي لله عنه في كتابه قصد السبيل في الطريقة التجانية : ومن شروط الكمال فيها {أي جوهرة الكمال} نشر ثوب أبيض محقق الطهارة عند السابعة وليس هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عليه كما يظن بعض الجهلاء بل هو لأنه يحسن بالذاكرين أن يكونوا على أحسن حال وقد جرب أن الجلوس في أمكنة طاهرة رحبة مع كمال الطهارة من أسباب حصول الصفاء .إنتهى
ويقول العارف بالله سيدي العربي ابن السائح رضي الله عنه في البغية : أن ما استمر عليه عمل أصحاب سيدنا الشيخ رضي الله عنه من نشر الثوب محقق الطهارة عند قراءة جوهرة الكمال في الوظيفة من عهد الشيخ رضي الله عنه إلى الآن ليس بلازم في الطريق بحيث يسوغ ذكرها إلا معه وإن كان المحل طاهرا حكما لكنه مما ينبغي ويستحب لمكان الخاصية التي اختصت بها هذه الصلاة الشريفة عن غيرها من الأذكار وهي حضور النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة والأصل فيه عندنا خصوصا على ما حدثني به السيد الجليل الحاج الأبر الفاضل الناسك سيدي عبد الوهاب بن التاودي أحد خاصة أصحاب سيدنا رضي الله عنه وخزانة أسراره وورثة أنواره قدس الله سره وأعاد علينا من بركاته وهو أنهم كانوا يقرؤون الوظيفة في أول الأمر قبل إنشاء الزاوية بفاس بباب دار الشيخ رضي الله عنه وهو حاضر معهم رضي الله عنه وكانت البقعة طاهرة حكما يصلي رضي الله عنه بها مع جماعة من أصحابه لكن حيث كان المحل محل توارد الناس عليه للزيارة وممر الداخل للدار والخارج منها أمر رضي الله عنه بنشر ثوب يعم البقعة كلها أعني وسط الحلقة ويكون محقق الطهارة غير مكتفى فيه بالطهارة الحكمية بحيث لا ينشر إلا عند قراءة الأصحاب لجوهرة الكمال ثم يطوى ويصان إلى مثل ذلك الوقت ثم بعد نشء الزاوية استمر الإخوان على ذلك العمل بمرأى ومسمع من الشيخ رضي الله عنه لاستحسانهم له لما فيه من الأدب الخاص مع هذا الحضور الخاص ولأنه مشعر به ومعين على الحضور والتأدب الواجب فيه ثم تتابع الناس في سائر أقطار الأرض على هذا العمل إلا النادر منهم ممن لم يتبين وجهه ومن أجل هذا تعسف بعض من ينتسب للعلم في البحث فيه وأفرغ ذلك في قوالب من الألفاظ بشيعة تنادي عليه عند كل مؤمن منصف بالفضيحة الفظيعة وتسمه بكل ذميمة شنيعة لأن كل مؤمن منصف بمجرد ما يسمع ذلك المقال يعلم تحقيقا أنه مقال من قطع الحسد منه الأحشاء والأوصال .....هذا وقد عرف ما قاله العلماء حسبما في عدة الحصن الحصين وشرحه من أنه ينبغي أن يكون المكان الذي يذكرالله فيه نظيفا خاليا قالوا فإنه أعظم في احترام الذكر والمذكور ولهذا مدح الذكر في المساجد والمواضع الشريفة ولا معنى للنظافة إلا المبالغة في التطهير وتحصيل القدر الزائد على الطهارة الحكمية كما لا يخفى .قال في شرح الحصن : وجاء عن الامام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال ك لا يذكر الله تعالى إلا في مكان طيب إهـ ونقل عن صاحب تهذيب الأذكار : ينبغي تطييب المجلس بالرائحة الطيبة لأجل الملائكة والجن وقطع العلائق المشوشة إلخ ....فأنت ترى ما قاله العلماء رضي الله عنهم في آداب الذكر على الإطلاق فكيف ينكر على من أكد هذه الآداب أو بعضها في ذكر الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى وذكر الحبيب الأعظم ومدحه والثناء عليه ببعض أوصافه الكمالية ونعوته الجمالية والجلالية ......وهل لنشر الثوب المذكور معنى إلا المبالغة في النظافة التي نص العلماء على أنها مستحبة وأنها أعظم في احترام الذكر والمذكور وهل المتعسف بالبحث في ذلك بعدما تقرر عن العلماء فيه من الإستحباب إلا من أكبر الجهلة الأغمار وممن سجل عليه بالشقاء لمحاربته مولاه جل وعلا بمعاداة أوليائه الأبرار.إنتهى
ويقول العلامة مْحمد بن محمد كنون في كتابه حل الأقفال لقراء جوهرة الكمال : التنبيه الخامس : من شروط الصحة لقراءة الجوهرة الطهارة المائية فلا تكفي الترابية لمن كان من أهلها لعدم الماء أو لعدم القدرة على استعماله وطهارة البدن والثياب والمكان الذي يسع ستة ولا تقرأ على ظهر الدابة ولا على ظهر السفينة ويستحب زيادة على ذلك نشر ثوب محقق الطهارة مبالغة في النظافة فقد ذكر العلماء أنه ينبغي أن يكون المجلس مطيبا بالروائح الطيبة ولا سيما ذكر يحضره النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد بسط صلى الله عليه وسلم رداءه لأخته من الرضاعة حين جاءت في وفد هوازن كما قال في الهمزية :
بسط المصطفى لها من رداء أي فضل حواه ذاك الرداء
وكذا بسطه أيضا لدحية الكلبي لما جاءه يريد الإسلام فبكى دحية وقبل الرداء ووضعه على رأسه وعينيه كما في روح البيان {وهو كتاب للشيخ إسماعيل حقي البرسوي } وقد ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان ينشر ثوبه للملائكة . وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول بلغنا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفرش رداءه للملائكة على باب الخلاء ويقول اجلسوا هاهنا حتى أخرج إليكم . فإذا كان هذا في حضور الملائكة فكيف مع حضوره صلى الله عليه وسلم بل لو فرش الإنسان حينئذ جبينه أو قلبه أو مقلته لحقّ له ذلك .
لو علمنا مجيئكـــــم لفرشنا مهج القلب أو سواد العيون
وجعلنا فوق الجفون طريقا ليكون المرور فوق الجفون
على أنه لو فرضنا عدم حضوره صلى الله عليه وسلم يكون نشر الثوب كتبخير مجلس الذكر وتطييبه لمن حضره من الملائكة ومؤمني الإنس والجن كما قيل في آداب الذكر :
منه طهارة وطيب المجلس لمؤمني الجن وطيب الملبس
وتذكر هنا ما ثبت في الشريعة من الأمر بغسل الجمعة والعيد والتجمل والطيب فيهما وما ذكره العلماء في وجه ذلك وما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم كان يتجمل للوفود يفتح لك الباب وينكشف عنك الحجاب فالله حسيب من ينكر علينا معشر التجانيين نشر الثوب إذ ذال .
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى ولكنها الأهواء عمت فأعمت
وحدثني بعض العلماء الفضلاء من الأصحاب أن أصل نشر الرداء أن الشيخ وأصحابه كانوا يقرؤون الوظيفة قبل بناء الزاوية بباب داره وهو محل المرور فكان لذلك يأمر بنشر الثوب تحفيظا للطهارة فلما بنيت الزاوية استحب ذلك .إنتهى
وقال العارف بالله سيدي مْحمد بن عبد الواحد النظيفي في مباديء الإشراق والإسعاد : ونشر الإزار أمر خاص لأمر خاص ولحكمة بالغة وما يعقلها إلا العالمون.إنتهى
وقال العارف بالله القطب سيدي الأحسن البعقيلي رضي الله عنه في كتابه الإراءة الجزء الثاني : وانشر للجوهرة ثوبا نقيا طاهرا نظيفا طيبا وجوبا نظريا واقتداءا بالشيخ رضي الله عنه فوجب عليه جميع ما عليه عمله وإن كان أصله الندب مبالغة في النظافة فإن أطلعك الله على سره في قلبك فذاك وإلا فامتثل تربح .....ويجوز التبرك به وأن يكفن فيه الميت ولا سيما أهل الخصوصية والغرباء ومن أوصى به أو أحب الطريقة وإن لم يسلك في سلكها فلا حسد على الفضل ....ولا ينشر لهيللة الجمعة.إهـ
وسئل سيدي محمد بن الحسن الجكاني رضي الله عنه ما السر في نشر الإزار عند الجوهرة هل ينشر لحروفها أو لمن يحضر عند السابعة هذا نص السؤال فأجاب رضي الله عنه كما في أجوبته الخمسة والسبعون في فقه الطريقة: الإزار ينشر اقتداءا بالشيخ رضي الله عنه فيصير حكمه الوجوب وجوب اقتداء وإن كان حكمه أصلا الندب وإنما ينشر لحروف الجوهرة لا غير قال في الإراءة فإن أطلعك الله على سره في قلبك فذلك وإلا فامتثل تربح ويجوز التبرك به وأن يكفن فيه الميت لا سيما أهل الخصوصية ومن أوصى به وإن لم يكن فقيرا فلا حسد على فضل الله .إهـ
ويقول الشيخ سيدي محمد بن عبد الله الطصفاوي في كتابه الفتح الرباني فيما يحتاج إليه المريد التجاني : وأما الإنكار على نشر الإزار عند ابتداء جوهرة الكمال فلا معنى له إذ قد ورد في أقوال السادة الصوفية أنه ينبغي تعظيم محل الذكر والمبالغة في طهارته ووضع الطيب فيه قال في البغية قال في شرح الحصن وجاء عن الإمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال لا يذكر الله تعالى إلا في مكان طيب . ونقل عن صاحب تهذيب الأذكار ينبغي تطييب المجلس بالرائحة الطيبة لأجل الملائكة والجن وقطع العلائق المشوشة . وهل لنشر الإزار معنى إلا التعظيم للذكر والمبالغة في النظافة التي قال العلماء بأنها مستحبة وأنها من تعظيم الذكر والمذكور .إهـ
هذا ومنكر افتراش الثوب الأبيض مع إقراره افتراش الزرابي بجميع ألوانها لعلامة على نقص في عقله مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز افتراش المفروشات ليفترش ثيابه المباركة لغيره ففي المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار لزين الدين العراقي حديث " إن ظئر رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته جاءت إليه فبسط لها رداءه ثم قال لها مرحبا بأمي ثم أجلسها على الرداء ثم قال لها اشفعي تشفعي وسلي تعطي فقالت : قومي فقال : أما حقي وحق بني هاشم فهو ذلك فقام الناس من كل ناحية وقالوا : وحقنا يا رسول الله . ثم وصلها بعد وأخدمها ووهب "لها سهمها بحنين أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث الطفيل مختصرا في بسط ردائه لها دون ما بعده وفي الإصابة في تمييز الصحابة لإبن حجر العسقلاني قدمت ابنة خالد ابن سنان على النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وأجسلها عليه وقال ابنة نبي ضيعه قومه. وفي الطبقات الكبرى لإبن سعد :عن محمد بن المنكدر قال أستأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت أرضعته فلما دخلت عليه قال أمي أمي وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه قال أخبرنا إبراهيم بن شماس السمرقندي قال أخبرنا الفضل بن موسى السيناني عن عيسى بن فرقد عن عمر بن سعد قال جاءت ظئر النبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وأدخل يده في ثيابها ووضعها على صدرها قال وقضى حاجتها قال فجاءت إلى أبي بكر فبسط لها رداءه وقال لها دعيني أضع يدي خارجا من الثياب قال ففعل وقضى لها حاجتها ثم جاءت إلى عمر ففعل مثل ذلك. وفي تهذيب الكمال للمزي :أن أبا الطفيل أخبر قال كنت غلاما أحمل عضو البعير فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة فجاءته امرأة فبسط لها رداءه فقلت من هذه قالوا أمه التي أرضعته .وفي زاد المعاد في هدي خير العباد لإبن القيم الجوزية :وقدمت الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فقالت : يا رسول الله ! إني أختك من الرضاعة قال : وما علامة ذلك ؟ قالت : عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه وأجلسها عليه . وفي كتاب الشفا للقاضي عياض : و لما جيء بأخته من الرضاعة الشيماء في سبايا هوازن و تعرفت له بسط لها رداءه.
و لنشر الثوب الأبيض أثناء ذكر الوظيفة فوائد جمة متعددة تعكس تمسك التجانيين بسنة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى كل من الترمذي والنسائي وابن ماجة في سننهم وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا ذكر هاذم اللذات. إهـ وفي مجمع الزوائد للهيثمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه و رواه الترمذي وغيره باختصارورواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، وفيه أيضا:عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس وهم يضحكون قال أكثروا من ذكر هاذم اللذات أحسبه قال- فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا في سعة إلا ضيقها عليه.رواه البزار والطبراني باختصار عنه وإسنادهما حسن . وفيه أيضا وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أكثروا ذكر هاذم اللذات - يعني الموت - فإنه ما كان في كثير إلا قلله ولا قليل إلا جزأه رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.إهـ وأكثروا من ذكر هاذم اللذات قال حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في إحيائه: ومعناه نغصوا بذكره اللذات حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله تعالى .إهـ وقال الشعراني في كتابه لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية : أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعاطى الأسباب التي تذكرنا بالموت وتقصر أملنا كمعاشرة العباد والزهاد في الدنيا امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم : اذكروا هاذم اللذات . وما لا يتوصل إلى فعل المأمور إلا به فهو من جملة المأمور واجبا لواجب ومندوبا لمندوب .وفيه أيضا عن سيدي علي الخواص قال : من الأضداد أن من يذكر الموت يحيا قلبه ومن ينساه يموت وذلك لأن من لازم ذكر الموت قصر الأمل والمبادرة في العمل فمثل هذا ولو طال عمره فعمله حسن إن شاء الله تعالى وذلك أعظم ما يكون العبد عليه .إهـ وقال المناوي في فيض القدير : أكثروا ذكر الموت فإنه أي ذكره يمحص الذنوب أي يزيلها ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم وذلك لأن نور التوحيد في القلب وفي الصدر ظلمة من الشهوات فإذا أكثر الإنسان ذكر الموت بقلبه انقشعت الظلمة واستنار الصدر بنور اليقين فأبصر الموت وهو عاقبة الأمر فرآه قاطعا لكل لذة حائلا بينه وبين كل أمنية ورآها أنفاسا معدودة وأوقاتا محدودة لا يدري متى ينفذ العدد وينقضي المدد فركبته أهوال الحط وأذهلته العبر وتردد بين الخوف والرجاء فانكسر قلبه وخمدت نفسه وذبلت نار شهوته .إهـ وقال الصنعاني في كتابه سبل السلام :والحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يغفل عن ذكر أعظم المواعظ وهو الموت.إهـ
فإذا كان القدوة الأعظم سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم يحثنا معشر المسلمين على الإكثار من ذكر هادم اللذات الذي هو الموت ويرغبنا في عدم الغفلة عنه كما مر معنا كقوله صلى الله عليه وسلم : {أكثروا ذكر هاذم اللذاتْ} فنشر التجانيين للإزار الأبيض إنما هو تجسيد حي لهذا الحديث المبارك فالثوب الأبيض كما قال سيدي محمد بن عبد الواحد النظيفي في خريدته :
***وكفن به الموتى من أجل التبرك***
وقال في شرحه {به} أي في الإزار المذكور .إنتهى إذ أن النظر إلى الثوب الأبيض مشعر بحقيقة كون الناظرإليه يوما سيكون مستلقيا على مثله وهو يستحضر قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه النسائي بسند صحيح : {عليكم بالبياض من الثياب فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم فإنها من خير ثيابكم.}ونشر الثوب الأبيض يكون التجانيون به قد امتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويوميا بذكرهم للموت وهو ما لا يتأتى لمنكريه وغيرهم إلا للقليل منهم وبوجود المنبهات عليه كمرور جنازة مثلا أو زيارة لمقابر .
ونشر الثوب الأبيض عند الذكر إنما هو كذلك جمعٌ لهمة الذاكرين على الذكر وقطع للوساوس الدنيوية والخواطر الشيطانية التي هي موانع الخشوع والحضور في الذكر.والمصرعلى إنكار نشر الثوب الأبيض عند الذكر مع علمه لأسباب نشره إنما هو إعانة وعون من أعوان الشيطان في محاربة أسباب الخشوع في الذكر واستعاب ألفاظه وقد أجمع علماء أصول الفقه على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فتغميض العينين في الصلاة مثلا من مكروهاتها ففي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة لمؤلفه عبد الرحمن الجزيري عند ذكره لمكروهات الصلاة قوله: ومنها تغميض عينيه إلا لمصحلة كتغميضها عما يوجب الاشتغال والتلهي وهذا متفق عليه.إنتهى فلما كان نشر الثوب الأبيض سبب قوي في خشوع الذاكر والتأدب مع المذكوركان الحرص عليه كالحرص على حصول الخشوع .
ونشر الثوب الأبيض عند الذكر إنما هو أيضا امتثال واقتداء بصنيع النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورد عنه عن عائشة قالت :{قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في خميصة ذات أعلام فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بأنبَجانية فإنها ألهتني آنفا في صلاتي} رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وفي روايةالامام مالك في الموطأ :{أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :أهدى أبو جهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة شامية لها علم فشهد فيها الصلاة فلما انصرف قال ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني} ونشر التجانيين للثوب الأبيض إنما هو من هذا القبيل وعمل بسنة من قال فيه الله سبحانه وتعالى :{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}.