إن عندي أصدقاء من بلد فيه ملايين التجانيين لكن للأسف وقع في بعضهم نزاع بسبب اختلافهم على حكم شرب الدخان، فما فتواكم فى هذا الأمر ؟
الجواب
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المخلوقين وعلى آله وأصحابه أجمعين ،بالنسبة لسؤالك حول شرب الدخان فإن هناك نقطتان يجب أن نوضحها لمن يشرب الدخان
النقطة الأولى : أن هناك اتفاقا حاصلا بين علماء الشريعة يكاد يصل الى الإجماع أن التدخين حرام شرعا لما له من المساوئ على الدين و الصحة و المال .
قال شيخنا أحمد التجاني رضي الله عنه في تحريم التبغ : التبغة حرام و الأصل في حرمتها قوله صلى الله عليه و سلم: { كل مفتر حرام} وهي من المفترات.
وقال الحافظ المصري رضي الله عنه في تعليقه على الإفادة الأحمدية : التبغة هي الدخان : أخرج الإمام أحمد وأبو داوود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر .فقرن صلى الله عليه وسلم بين المسكر والمفتر والعبرة في الإفتار من كان سليم الفكرة فإن من تعود السكر حتى صار لا تسكره الخمر فهي حرام عليه لأن من شأنها الإسكار وإن لم تسكر من أدمن شربها فكذلك الدخان يحدث الفتور لمن كان على فطرته ولم يتعاطاه على ما فيه من إسراف وضرر إلى أن قال رضي الله عنه : وجلب الضرر حرام بغير خلاف وإنفاق المال في جلب الضرر أشد حرمة فإن إنفاق المال عبثا بلا فائدة إسراف وهو حرام قال تعالى : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } فكيف بإنفاق المال في جلب الضرر وقد أثبت الأطباء في المشرق والمغرب أخيرا ضرره وأنه سبب لبعض الأمراض الخبيثة .إهـ
وقال سيدي محمد الطيب السفياني في الإفادة الأحمدية : وكان رضي الله عنه { أي الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه } يشدد فيها غاية ويسلم من قال إن صاحبها الذي لم يتب من استعمالها لا يموت على حسن الخاتمة .إهـ
وفي ترجمة سيدي عبد الوهاب بنيس الضريرمن كتاب كشف الحجاب للعلامة سكيرج قال : وبلغني على لسان بعض الثقات أن البركة سيدي الحاج عبد الوهاب بن الأحمر رحمه الله حدث أن بعض عبيد سيدنا رضي الله عنه حصل له مرض شديد و لما احتضر صار يتكلم بكلام متهور و لسانه لا يطاوعه على النطق بالشهادة إذا لقنوها له فصار الإخوان يستلطفون مما رأوه منه ، وقال بعضهم لبعض:" كيف يقع هذا بخديم سيدنا رضي الله عنه و سيدنا على قيد الحياة ؟" ثم إنهم اجتمعوا بسيدنا رضي الله عنه و أخبروه بالقضية فقال لهم رضي الله عنه :"سلوا زوجته عما كان يفعل" فقالت:" إنه كان كذا و كذا ووصفته بأوصاف حسنة من الديانة و الحزم الشديد في طاعة ربه غير أنه كان يستعمل تبغة." ، فقال لهم سيدنا رضي الله عنه :" من استعمال هذه العشبة الخبيثة أصيب، فاذهبوا إليه و قولوا له يتوب إلى الله. " فلما ذهبوا إليه و قالوا له ذلك، تاب إلى الله تعالى فبمجرد توبته نطق بالشهادة و خرجت روحه رحمه الله. وعليه فهي من الأمور التي لا ينبغي أن يغفل المقدمون عن التنبيه عليها لمن وفقه الله من المريدين ليجتنبوها وكذلك كل مذموم شرعا أو عقلا أو عادة من خمر ودخان وحشيشة وأفيون إلى أن قال : وكثيرا ما كان ينشد الولي الصالح سيدي العربي بن السائح رضي الله عنه في صاحب الأفيون :
لا تأمنن صاحب الأفيون في خلق ولا تثـــــــــق بوداده وإن صافي
لو دمت عمــــــرك توليه مجاملة ما كان يوليك طول الدهر إنصافا
و أخبر الولي الصالح سيدي العربي بن السائح رضي الله عنه أن صاحب الترجمة قال له :" التقديم الذي عندي من قبل الشيخ رضي الله عنه مشروط فيه أن لا أعطي الورد لمن يستعمل هذه العفونات شما أو أكلا أو بخارا." ، و حدث بذلك أيضا المقدم سيدي الطيب السفياني رضي الله عنه ، و ذكر أنه رأى تقديم صاحب الترجمة و من جملة ما فيه :" و لا يعطى هذا الورد لمن يستعمل القاذورات شما أو أكلا أو شربا، و ذلك كاستعمال العشبة الخبيثة الحشيشة والتبغة و الأفيون ، بل يعطى لشارب الخمر و لا يعطى لهم ، لأن شارب الخمر ترجى توبته بخلاف هؤلاء فإنهم في الغالب لا يتوبون عن تعاطيها. وقال العلامة سكيرج رضي الله عنه في نفس الترجمة وقد بلغني من طريق آخر أن المقدم البركة الشريف سيدي موسى بن معزوز كان إذا علم بأحد معه تبغة يقوم بنفسه ويخرجه من صف الوظيفة .إهـ
النقطةالثانية:هي أنه من الممكن أن يأخذ الطريقة التجانية من كان يشرب الدخان لأن الغرض منها هو التصفية والتنقية بمجاهدة رعـونات النفس وهي وسيلة تساعـد المريد على التخلي عن هذه العادة السيئة وغيرها من المحرمات.
جاء في كتاب كشف الحجاب عند ترجمته للسيد عبد الوهاب بنيس الضرير أن المقدم سيدي الطيب السفياني حكى عن جده البركة الأجل سيدي الطيب رحمه الله أنه لما ذهب إلى تونس لأمر من الأمور استدعاه بعض الأصحاب لداره مع جماعة من الإخوان فصار بعض الحاضرين يمدحون سيدنا رضي الله عنه ويثنون على طريقته الأحمدية ويتمنون الدخول فيها وقالوا له إن العلامة سيدنا إبراهيم الرياحي يمنعنا من أخذ هذه الطريقة لكوننا نستعمل تابغة والدخان ويشترط علينا ترك ذلك إن أردنا ذلك ونحن لا نقدر على ترك ذلك فقال لهم المقدم سيدي الطيب المذكور إن عزمتم على الدخول في هذه الطريقة فإنا نأذن لكم وإن كنتم تستعملون ذلك فحصل لهم من الفرح بذلك ما الله أعلم به وحين خرجوا من الدار كسروا حكوكهم وقالوا لا خير في هذا الشيء الذي يمنعنا لأجله بعض المقدمين من الدخول في هذه الطريقة وعاهدوا الله أن لا يستعملوا ذلك .إهـ
وفي كتاب التربية في الطريقة التجانية في ضمن الأجوبة البعقيلية لأمين محمد الفطواكي ص53 أن سيدنا الأحسن البعقيلي قال : قال في الخواتم الذهبية ما هذا معناه : إعلم أن الشيخ رضي الله عنه قد أكثر ونفر النفوس عن عشبة التبغة غاية إلا أنه لم ينقل عنه أنه قال يرفع الإذن عن فلان لأنه يستعملها فمن أغلظ على الفقير بمثله يخاف عليه من اللعن والطرد عن حضرة أهل السعادة ...إلى أن قال فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يلقن ورده لكل مسلم طلبه طائعا أو عاصيا فهو عام أمر الشيخ فلا يخرجه من الطريقة فقول الشيخ السيد الحاج الحسين الإفراني في الخواتم الذهبية هو عين الحق .إهـ
وفي كتاب النهج الحميد فيما يجب على المقدم والمريد للشيخ إبراهيم صالح الحسيني أنه قال : واختلف في شارب الدخان فهل يخرج من الطريقة باستعماله أم لا صرح بالاول عدد من أئمة الطريق ومال إلى عدم خروجه من الطريقة شيخنا أبوبكر عتيق في آخر إفتاء له في ضمن أجوبة وجهها إلى سائليه من أهل تشاد ومن فهم هذه المسألة على وجه العلم لم يفهم منها إلا ما فهمه الشيخ أبو بكر عتيق وذلك لأن الدخان قد اختلف العلماء في تحريمه أو كراهته وإن كانت حجة التحريم أقوى من حجة الكراهة إلا أننا اتفقنا على عدم لزوم التجديد للتجاني بسبب وقوعه في جميع المحرمات بل الواجب عليه هناك التوبة إلى الله فقط باتفاق فلماذا لا يكون حكم مستعمل الدخان كذلك مع القول بالتحريم ، واعلم أن الشيخ التجاني له في الدخان قول واحد فقط بالتحريم ومازال عليه حتى لقي الله .إهـ
أما ما جاء في تقييد التلقين بعدم تعاطي التبغة فإنه كما حكى العلامة سكيرج عن المقدم سيدي الطيب السفياني عند ترجمته لسيدي عبد الوهاب بنيس الضرير من كتابه كشف الحجاب أنه قال : وهذا لم أره في تقديم غيره إلا ما بلغنا عن الشيخ العلامة سيدي إبراهيم الرياحي رضي الله عنه أنه كان يمنع مريد الدخول في هذه الطريقة من استعمال ما ذكر إهـ
لكن من المعلوم أن سيدنا رضي الله عنه قد أجاز للعديد من أصحابه بالتلقين دون اشتراط هذا الشرط الذي لم نجده الا عند هذين السيدين الجليلين، وهو يمثل حالة خاصة و ليست عامة و بذلك فإنه لا يفسد به انتساب المريد للطريقة غيرأنه من واجب المقدمين التأكيد على المريدين في هذه النقطة و من واجب المريد بذل الجهد للإقلاع عن هذه العادة لأنه لابد في الطريقة من المحافظة على الأمور الشرعية باجتناب المنكرات و المحرمات.
وهذه بعض أقوال العلماء ليكون المسلم على بصيرة من أمره قال الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه زهر العريش في تحريم الحشيش : روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده وأبو داوود في سننه عن أم سلمة قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف وهذا الحديث أدل دليل على تحريم الحشيشة بخصوصها فإنها إن لم تكن مسكرة كانت مفترة مخدرة إهـ وقال ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري :استدل بمطلق قوله كل مسكر حرام على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة وجزم آخرون بأنها مخدرة وهو مكابرة لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة والمداومة عليها والانهماك فيها وعلى تقدير تسليم أنها ليست بمسكرة فقد ثبت في أبي داود النهي عن كل مسكر ومفتر وهو بالفاء.إهـ وقال الصنعاني في كتابه سبل السلام : فإن الحشيشة محرمة إهـ وفي جامع العلوم والحكم لإبن رجب الحنبلي قال :عن أم سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر والمفتر هو المخدر للجسد وإن لم ينته إلى حد الإسكار والثاني ما يزيل العقل إهـ