الجواب
عن مولاتنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ياأيها الناس خذوا من الأعمال ماتطيقون فإن الله لايمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل." وفي رواية:" وكان آل محمد إذا عملوا عملا أثبتوه." وفي رواية قالت:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أحب إلى الله قال:" أدومه وإن قل."
وفي رواية البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ." وللامام مالك والبخاري أيضا قالت:" كان أحب الأعمال إلى الله عز وجل الذي يدوم عليه صاحبه." ولمسلم:" كان أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل." وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته. وروى الترمذي عنها كان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماديم عليه وفي رواية له سئلت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما :" أي العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قالتا :" ما ديم عليه وإن قل."
وروى ابن حبان في صحيحه عن أم سلمة قالت:" كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما داوم عليه العبد وإن كان شيئا يسيرا." قال الشيخ سيدي محمد الحافظ المصري رضي الله عنه:" ومن البين أن من داوم على قدر من الذكر لابد أن يكون معلوما محدودا ولذلك قال صلى الله عليه:" وإن قل."
فمن استغفر الله في اليوم مائة وخمسين مرة ومائة و سبعين مرة في يوم آخر ومائة مرة في غيرها من أيامه ، فالمائة التي داوم عليها هي أحب الأعمال إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدر الذي لم يداوم عليه ذكر محبوب ومن داوم على المائة مرة من أول الأمر فقد أتى العمل الأحب إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وقس على ذلك في التهليل والتسبيح والتكبير والصلاة على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أعمال البر . وهذا التحديد موكول إلى كل عامل بحسب ما يرى مما لايشق عليه والناس في ذلك تتفاوت استطاعاتهم وهممهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه : "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا." وفي رواية أبي داوود زيادة:" وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل وكان إذا عمل عملا أثبته." فوكل صلى الله عليه وسلم كلا إلى طاقته وهو بها أعرف ، فمن حدد لنفسه قدرا من العبادة (النافلة طبعا) أو ذكرا مما رغبت فيه السنة المطهرة وبعدد معلوم تسهل المداومة عليه وداوم عليه فقد نص صلى الله عليه وسلم على أنه قد جاء بأحب الأعمال إلى الله عز وجل. ومن وافقت طاقته طاقة أخ له فعمل مثل عمله مختارا فلا حرج عليه ، والمؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا قال تعالى في سورة المائدة: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
ولا ينبغي أن يلتفت إلى من خالف المصطفى صلى الله عليه وسلم وزعم أن مثل هذا التحديد ممنوع فهو خطأ مردود عليه وأن من يزعم أن التحديد بدعة هو أحق بأن يكون هو المبتدع فإنه متقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يحرم ما أذن فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وحض عليه وجرى عليه عمل أصحابه من بعده .
روى الترمذي وقال حسن صحيح والحاكم وقال صحيح وأحمد في المسند والنسائي وابن حبان عن سيدنا أبي بن كعب قال:" قلت:" يارسول الله إني أكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي؟ " فقال:" ماشئت!" قلت:" الربع!" قال:" ماشئت! وإن زدت فهو خير لك!" قلت:" النصف!" قال:" ماشئت! وإن زدت فهو خير لك!" قلت:" أجعل لك صلاتي كلها!" قال:" إذن تكفى همك ويغفر ذنبك ." فذكر رضي الله عنه الربع والنصف علامة على مداومته على ذكر معين تحقق عنده عدده. إذن فالبدعة والضلال إنما فيما لا إذن للشرع فيه والتحديد قد جاء الإذن فيه والحجة كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم لا كلام سواه.
وأخرج مسلم في صحيحه عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه مابين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل." وفي هذا الحديث الشريف الحض على قضاء ما عود المرء نفسه عليه من العبادة والأذكار وماحدده .
قال الشوكاني في تحفة الذاكرين:" أقول هكذا ينبغي حتى يصدق عليه أنه مديم للذكر مواظب عليه وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقضون مافاتهم من أذكارهم التي كانوا يفعلونها في أوقات مخصوصة ."
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:" قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ياعبد الله لاتكن مثل فلان إنه كان يقوم من الليل فتركه." أي لم يكن من الموفين بعهدهم إذا عاهدوا كما قال علي القاري . وروى البخاري في صحيحه عن مولاتنا عائشة رضي الله عنها قالت:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه."
وقال الشاطبي في الاعتصام :" أحب العمل إلى الله ماداوم عليه صاحبه وإن قل فلذلك كان صلى الله عليه إذا عمل عملا أثبته حتى قضى ركعتي ما بين الظهر والعصر بعد العصر."
وقال ابن القيم الجوزية في كتابه بدائع الفوائد:" روى موسى بن هارون قال:" مر بي أحمد ابن حنبل ومعه المروزي وأنا في المسجد قبل الزوال أصلي الضحى لأني كنت شغلت عنها فوقف علي فقال:" ماهذه الصلاة؟" فقلت:" ياأبا عبد الله هذه ركعات كنت أصليها ضحى فشغلت عنها حتى هذا الوقت." قال:" لاتتركها ولو ذكرتها بعد العتمة !" ووجهه قوله أحب العمل الى الله أدومه وإن قل." رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم.
ومن البديهي عند من له أدنى إلمام باللغة العربية أن من يداوم على عبادة لاتكون إلا معلومة محدودة عنده عددا ووقتا.
فلا فقه ولا علم لمن ينهى عما أقره صلى الله عليه وسلم ودعا له وفهمه عنه الصحابة وعلماء الأمة من بعدهم.
وبالجملة فالإلتزام بعدد معين عند القيام بالأذكار مما لايشق على صاحبه ومما يطيقه عمل جائز شرعا بل من الأعمال الأحب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:" قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله. فشددت فشدد علي. قلت:" يارسول الله إني أجد قوة." قال:" فصم صيام نبي الله داوود عليه السلام ولاتزد عليه." قلت :"وماكان صيام نبي الله داوود عليه السلام." قال:" نصف الدهر" فكان عبد الله يقول بعدما كبر:" ياليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم !" ، فقول هذا الصحابي الجليل:" يا ليتني قبلت رخصة النبي..." فيه دليل على أنه لا يترك مافارق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان مما ألزمه هو على نفسه وإلتزم به وعاهد على أدائه وعن طيب خاطره وبقدر معين و حسب قوته وطاقته وهذا هو منهج العارفين والعلماء العاملين مع مايلتزمونه من نوافل ولايتلاعبون بأعمالهم فمن لم يكن في زيادة أو لم يحافظ على الأقل على ماعود نفسه من الخيرفهو في نقصان نعود بالله من السلب بعد العطاء وما هذا كله إلا امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لعبد الله بن عمرو بن العاص:" لاتكن مثل فلان إنه كان يقوم من الليل فتركه." وقوله تعالى:"{ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} وقوله تعالى أيضا:"{ ياأيها الذين امنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالاتفعلون .} ولحديث مولانا رسول الله كما في صحيح البخاري وغيره آية المنافق ثلاث:" إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان."
فانظر لك أيها السائل الكريم من العبادة على قدر طاقتك بعد أدائك للفرائض على أكمل وجه والتزمه وداوم عليه يكن لك من سنة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب.