قال سيدي عمر الفوتي رضي الله عنه في كتابه" الرماح" :
سميت بأسماء كثيرة لأن لها من الفضائل والخصائص ماليس لغيرها ،لأن كثرة الأسماء دالة على فضل المسمى .
قال في السراج المنير ولها (يعني سورة الإخلاص) أسماء كثيرة وزيادة الأسماء تدل على شرف المسمى.
وقال إبن أبي جمرة في بهجة النفوس: "يحتمل أن تكون (يعني فاتحة الكتاب) سميت بأسماء كثيرة لأن لها من الخصائص والفضائل ماليس لغيرها فكانت أسماؤها عديدة دون غيرها لأن كثرة الأسماء دالة على فضل المسمى إما مطلقا أوعلى جنسه. "
ومن بين هذه الخصائص والميزات التي استوجبت تعدد أسمائها ماأشار إليه العارف بالله المحقق سيدي العربي ابن السائح التجاني رضي الله عنه في البغية المطلب السابع: في بيان تسمية هذه الطريقة السنية بالأحمدية والمحمدية والإبراهيمية الحنيفية فقال:
اعلم أمدنا الله وإياك بأنوار اليقين وسلك بنا وبك مسالك الذين يؤمنون بالغيب من عباده المتقين أن لهذه الطريقة الشريفة بين الطرق مكانة عالية ومرتبة قصوى سامية وذلك لما امتاز به أهلها من الانتماء الحقيقي إلى إمام حضرة الأنبياء..
فنقول متبرئين من القوة والحول مستندين إلى فضل مَنْ له المنة والطول:
أما تسميتها بالأحمدية كما عليه إطلاقاتُ جميع أصحاب الشيخ رضي الله عنه فمن وجوه:
(أولها) وهو الظاهر المتبادر لكل أحد إنما سميت بذلك نسبة إلى اسم صاحبها لأن اسمه رضي الله عنه أحمد وهو إمامها المتلقي لها من حضرة سيد الوجود من دون وساطة شيخ آخر فلا إشكال في تسميتها بالأحمدية.
(الوجه الثاني) أنها إنما سميت بذلك لكونها طريقة شكر فلكون القطب الذي عليه مدارها هو الحمد بالوجه الأبلغ سميت أحمدية وهو ظاهر.
(الوجه الثالث) فلكون أذكارها المتداولة بين أصحابها دائرة على أبلغ الحمد صريحا أو ضمنا سميت أحمدية.
(الوجه الرابع) كون صاحبها هو الخاتم الأكبر المخصوص بوراثة السر الأبهر .......قد سبق في حمد الله تعالى كل حامد من الأولياء فما حمده أحد من الأولياء مثل ماحمده خاتم الأولياء فيتحقق فيه مالم يتحقق في غيره من الاتصاف بالحمد على جهة الأبلغية فصح اتصاف طريقه بالأحمدية.
أما تسميتها بالمحمدية فهي متعددة أيضا :
(أولها) كون القطب الذي يدور عليه السلوك في الطريقة المحمدية عندنا هو الإكثار من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كون الذاكر على أحسن الحالات وأكملها .....وهذا ملخص ما للمشايخ في تحقيق معنى الطريقة المحمدية بالوجه الخاص .
(الوجه الثاني) أنه صلى الله عليه وسلم أضاف جميع الفقراء المتمسكين بهذا العهد المواظبين على هذا الورد إلى سيادته السنية ومكانته العلية إضافة خاصة تؤذن بشرف منزلتهم وشفوف مرتبتهم عند الله تعالى وذلك أنه قال صلى الله عليه وسلم لسيدنا رضي الله عنه يقظة لامناما فقراؤك فقرائي وتلامذك تلامذي حسبما صح بالإخبار به عنه رضي الله عنه من غير واحد من أعيان أصحابه فكان كل من أخذ هذا الورد عن الشيخ أو عمن عنده الإذن فيه حائزا لهذه الإضافة الشريفة والنسبة المنيفة....... فوجب تخصيصها باسم المحمدية.
(الوجه الثالث) أنه صلى الله عليه وسلم هو الضامن لجميع ما بشر به أهلها من الشيخ رضي الله عنه عن أعظم الوسائل من باهر الكرامات وسني الفضائل كما أنه هو القائم مقامه معهم لدى كل خطب هائل كحضوره صلى الله عليه وسلم موت من مات منهم على تباعد أوطانهم وتباين بلدانهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وجدير لطريق امتاز أهلها بهذه المزية أن تخص بالتشريف بالإضافة المحمدية.
(الوجه الرابع) أن لأهل هذه الطريقة علامة يتميزون بها عن غيرهم ويعرف بها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحبها بوجه خاص ......وإن كل واحد من أهلها مكتوب بين عينيه بطابع النبي صلى الله عليه وسلم {محمد رسول الله}صلى الله عليه وسلم وعلى قلبه مما يلي ظهره {محمد بن عبد الله }وعلى رأسه تاج من نور مكتوب فيه {الطريقة التجانية منشؤها الحقيقة المحمدية}.....ويؤيد ما تواتر بين الأصحاب عن جماعة من أرباب الأحوال أنهم صرحوا لبعض أهل هذه الطريقة بأنهم رأو ا طابع النبي صلى الله عليه وسلم بين عينيه. وقد رأينا بعض الأصحاب إذا رأى أحدا من أهل هذه الطريق عرفه وقطع له بأنه من أهلها ولم يكن رآه قبل ذلك،.....ومعلوم أن مثل هذا إنما يراه من كشف الله له عن بعض أسراره الغيبية وأيده بأنواره الوهبية فلا مجال فيه للأفكار إذ لا نفاق لبضاعة العقل في هذا المضمار وهو من جائز الكرامات التي يتحف الله بها من شاء من عباده المؤمنين ويختص بها من أراد من أوليائه المكرمين الأبرار فسلم تسلم.
(الوجه الخامس ) أن هذه الطريقة أشبهت الملة المحمدية في كونها آخر الملل وذلك لأنها آخر الطرق فلا يأتي أحد بعدها بطريق جديدة لأن سائر الطرق تدخل في طريقة الشاذلي رضي الله عنه كما تقدم عن الشيخ رضي الله عنه إلا هذه الطريقة الأحمدية ولذلك سميت المحمدية.
(الوجه السادس) أن هذه الطريقة تدخل على سائر الطرق فتطلبها وطابعها ينزل على كل طابع ولاينزل عليه طابع كما أن شرع سيدنا محمد صلى الله عليه كذلك يدخل على جميع الشرائع ولايدخل عليه غيره فلما أشبهت الشريعة المحمدية من هذه الحيثية قيل لها المحمدية .
(الوجه السابع) أن من ترك وردا من أوراد المشايخ لأجْلِ الدخول في هذه الطريقة المحمدية آمنه الله في الدنيا والآخرة ولايخاف من شيء يصيبه لامن الله ولامن رسول الله ولامن شيخه أيا كان من الأحياء أو الأموات وأن من دخلها وتأخر عنها ودخل غيرها تحل المصائب به دنيا وأخرى كما أن شرع رسول الله كذلك فمن أجل هذه الخصوصية قيل لها المحمدية .
(الوجه الثامن) أن الطرق كلها في آخر الزمان تصير إلى هذه الطريقة المحمدية وذلك عندما تصير الطرق طريقا واحدا المذاهب مذهبا واحدا على ما أخبر به أهل الكشف رضوان الله عليهم فأشبهت أيضا الشريعة المحمدية من هذه الحيثية فقيل لها المحمدية
(الوجه التاسع) أنه صلى الله عليه وسلم يغار لأهلها غيرة خاصة وأنه يؤذيه ما يؤذيهم حسبما أخبر به الشيخ رضي الله عنه .......فمن أجل اختصاصهم بهذه الغيرة المصطفوية صحت لهم النسبة المحمدية.
(الوجه العاشر) أن هذا الشيخ الأكبر لما كان هو الختم المحمدي الأشهر الحائز لكل ما للأولياء من الكرامات الإختصاصية كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائز لجميع ما للأنبياء والرسل من الكمالات الإلهية سميت طريقه بالمحمدية.
(الوجه الحادي عشر) أن الله سبحانه وتعالى بمحض فضله العميم تفضل على أهل طريق هذا الشيخ العظيم بأن جعل سبحانه وتعالى نسبة تضعيف حسناتهم بالنسبة إلى تضعيف حسنات غيرهم من أهل الطرق كنسبة تضعيف ثواب حسنات هذه الأمة إلى تضعيف ثواب حسنات غيرها من سائر الأمم وراثة محمدية حبيبة مصطفوية .......وفي هذا القدر الذي ذكرناه من وجوه تسمية هذه الطريقة بالمحمدية كفاية في بساط التذكير ببعض ما اختصت به هذه الطريقة السنية من أسرار هذه النسبة العلية.
(الأول) أنها لاتكون محمدية بالوجه الأخص إلاإذا كانت إبراهيمية حنيفية كما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى :{قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهسم حنيفا}الانعام الاية161.
وأما تسميتها بالإبراهيمية الحنيفية فمن وجوه :
(الوجه الثاني) أنها ناشئة عن الدائرة الفضلية التي منها اتخذ الله إبراهيم خليلا في الأزل قبل إيجاده وإيجاد الكون ومافيه {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل}الأنبياء الاية51
(الوجه الثالث) أنها طريقة شكر ....وقد أثنى سبحانه وتعالى على إبراهيم عليه السلام بقوله {شاكرا لأنعمه}النحل الاية121
(الوجه الرابع) أن الله تعالى جعلها بمحض فضله وكرمه معلم الخير في هذا الزمان الذي هو آخر الأزمان وألبسها ملابس طاعته في السر والإعلان فكانت أمة وحدها قانتة لله تعالى حنيفة وذلك من ملة إبراهيم كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى:{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا}النحل الاية120. قال الشيخ محي الدين والأمة معلم الخير والقانت المطيع لله في السر والعلانية .
(الوجه الخامس) أن من أركان هذا الطريق إسلامَ الوجْهِ إلى الله تعالى الإسلام التام والإنقياد إلى كل مأمور به على الوجه الأكمل في شريعة الإسلام :{إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}البقرةالاية131 .......
(الوجه السادس) أن هذه الطريقة لما كانت طريق اجتباء سهلة لاحرج فيها ولامشقة ولاضيق كانت إبراهيمية حنيفية اعتبارا بما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى :{هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم}الحج الاية 78.
(الوجه السابع) أن من شأن السالكين على هذه الطريقة أن يغلب على أحوالهم كثرة الحلم والصبر على من يؤذيهم وينقصهم وكثرة التأوه لما يشاهدون من جلال الله تعالى فلا تجدهم يتميزون عن عامة المؤمنين بشيء مما يشير إلى الكمال ولايدعون لأنفسهم مع الله تعالى شيئا من المقامات والأحوال بل ترى الغالب عليهم في كل حال الإنابة إلى المولى الكبير المتعال المنفرد بالعزة والجلال سبحانه وتعالى وذلك من ملة إبراهيم {إن إبراهيم لحليم أواه منيب}هود الاية 75 .
(الوجه الثامن) من فضائل هذه الطريق أن من دخلها وأسلم قيادها إلى صاحبها بطريق المحبة الخاصة وكمال التصديق كان من الأمنين عند الله تعالى في الدنيا والآخرة لقول سيد الوجود لسيدنا رضي الله عنه:" أنت من الأمنين وكل من أحبك من الآمنين..." إلى آخر كلامه في جواهر المعاني ......وقد قال مولانا جل علاه في حق مقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام {ومن دخله كان امنا}آل عمران الاية 97 .
(الوجه التاسع) أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أسكن ذريته وعياله وادي الحرم بلا زاد ولاراحلة فنادى مولاه سبحانه ودعاه باسم الرب رجاء لتربية ذريته وعياله وأهله وإيوائهم إلى جوار كرامته سبحانه وفضله فقال فيما حكاه الله تعالى عنه في محكم وحيه{ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم } ابراهيم الاية 37 ، فكانت في ذلك إشارة إلى تربية ذريته وعياله بحقائق التوكل والرضى والتسليم ......وصاحب هذه الطريقة رضي الله عنه وأرضاه أسكن ذريته وعياله في قصده عليه وهو سيد الوجود وعلم الشهود صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم هو أستاذهم ومربيهم والضامن لهم وكفيلهم ومتوليهم وفي ذلك إشارة إلى تربيتهم بقصد النظر في استمداداتهم واستناداتهم عليه وصرف الوجهة في سائر تقلباتهم إليه نعمت التربية هذه لأنه صلى الله عليه وسلم باب الله الأعظم الذي من صد عنه لايجد بابا يدخل منه والوسيلة العظمى التي من تخلف عنها لايجد سببا يتعلق به ورضي الله عن إمام دار الهجرة سيدنا مالك ابن انس في قوله للخليفة حين قال له : " أأستقبل القبلة وأدعوا أوأستقبل القبر وأدعوا؟" "وأين تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم؟"
(الوجه العاشر) أن مدار دلالة صاحب هذه الطريقة رضي الله عنه على تعلق القلب بالله تعالى وعلى مايوصل إلى ذلك وكلامه في رسائله وأجوبته وإملاآته طافح من ذلك بما يبهر العقول ولايصدر إلا عن أكابر الفحول ومن كلامه فيه مانصه زبدة الأعمال الشرعية وغاية ارتفاعها هو التعلق بالله تعالى بلا انفصام ولاتزلزل ولو دَهَمَته دهمات الفتن الصعبة التي لاينجوا منها إلا بانخلاع يده من الله تعالى والانفصام عنه فهذا غاية العمل ومنتهاه... وهذا من ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن كمال تعلقه بالله وتمام إخلاص وجهته إلى مولاه وتبرئه من التعلق بما سواه أنه أدرج في المنجنيق ليرقى به في النار فعرض له الأمين جبريل عليه السلام بعدما أعرض عن ملك الرياح وملك الأمطار فقال له:" ألك حاجة ؟" فقال له:" أما إليك فلا وأما إلى الله فبلى." فقال له الأمين جبريل:" فسله إذن!" فقال عليه السلام :"علمه بحالي، يغنيني عن سؤالي!" .فمن أجل كون مدار الدلالة في هذه الطريقة المحمدية على هذه الحالة الشريفة السنية كانت إبراهيمية حنيفية ......ووراء هذه الوجوه التي ذكرناها لهذه النسبة الجليلة القدر والإضافة السنية الفخر ما لايسعنا الآن شرحه واستيفاؤه ولايمكننا في هذه العجالة بسطه واستقصاؤه.