قرأت في احد المواقع ان الشيخ احمد التجاني يقر بعقيدة وحدة الأديان صراحة و ذلك في قوله في جواهر المعاني " كل عابد أو ساجد لغير الله في الظاهر فما عبد ولا سجد إلا لله تعالى لأنه هو المتجلي في تلك الألباس وتلك المعبودات كلها تسجد لله تعالى إلى أن قال وقوله لا إله إلا أنا يعني لا معبود غيري وإن عبد الأوثان من عبدها فما عبدوا غيري ولا توجهوا بالخضوع والتذلل لغيري بل أنا الإله المعبود فيهم " فما ردكم على ذلك
الجواب
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
جوابا على هذا السؤال نورد ما جاء في جاء في "خلاصة الادلة الشرعية في الرد على تساؤلات الحشوية " للشيخ محمد مفتاح بن صالح التجاني الابراهيمي
حيث يبين
وأما اعتراضه على قول الشيخ التجاني في جواهر المعاني ج1 ص159: "فكل عابد أو ساجد لغير الله في الظاهر فما عبد ولا سجد إلا لله تعالى لأنه هو المتجلي في تلك الألباس وتلك المعبودات كلها تسجد لله تعالى إلى أن قال وقوله لا إله إلا أنا يعني لا معبود غيري وإن عبد الأوثان من عبدها فما عبدوا غيري ولا توجهوا بالخضوع والتذلل لغيري بل أنا الإله المعبود فيهم
فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أولها : أنه لفق هذه الفقرة من كلام طويل للشيخ أحمد التجاني في تفسير آية قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله بلغ خمس عشرة صفحة حيث بدأه من ج1 ص155 س7 وأنهاه في ج1 ص170 س2 من جواهر المعاني ط دار الجيل وهو في غاية الإحكام ووحدة الموضوع والانسجام غاص فيه لجج المعاني وأصله بالأدلة الشرعية من علم المباني
فتصرف هو فيه بجعله شذرة شذرة حيث أخر منه وقدم وتجاوز وبتر ليحرفه عما وضع له وبيان ذلك أنه ساق منه ستة أسطر في مختم منشوره معلقا بها على مسألته السابعة التي هي الأخيرة عنده ثم تجاوز سطرين هما محل الاحتجاج عليه وهما:
"فهم ـ يعني عبدة الأوثان ـ محبون لله عابدون له من حيث لا يشعرون وهذه العبادة هي المعبر عنها بالسجود كرها قال سبحانه وتعالى ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال، وهذه الجملة والآية هما اللتان تربطان بين ما ساقه من كلامه في مختم منشوره وبين ما ساقه في هذه الفقرة التي هي أول مسألة منه. ثم إنه ساق قول الشيخ أحمد التجاني "فكل عابد أو ساجد لغير الله في الظاهر فما عبد ولا سجد إلا لله تعالى لأنه هو المتجلي في تلك الألباس وتلك المعبودات كلها تسجد لله تعالى" ثم وضع نقاط استرسال وتجاوز مرة أخرى أربعة أسطر فيها الحجة عليه، ومزيد تفصيل ما ساق من كلام الشيخ في هذه الفقرة وما تجاوز منه هو قوله:"وتعبده وتسبحه خائفة من سطوة جلاله سبحانه وتعالى ولو أنها برزت لعبادة الخلق لها وبرزت لها بدون تجليه فيها لتحطمت في أسرع من طرفة عين لغيرته سبحانه لنسبة الألوهية لغيره تعالى، قال سبحانه وتعالى لكليمه موسى عليه الصلاة والسلام إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني والإله في اللغة المعبود بالحق
قلت: وبإرجاع هذه الفقرات إلى محالها يلتئم كلام الشيخ التجاني وينسجم على وفق ما جاء في جواهر المعاني ويتبين بجلاء أن ما قاله لا يستساغ إنكاره بوجه شرعي لاعتماده فيه على آيتين محكمتين صريحتين في الاستدلال هما قوله تعالى في سورة الإسراء يسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا وقوله تعالى في سورة الرعد ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال
ثانيها: أن سجود وصلاة وتسبيح وإذعان جميع المخلوقات طوعا من المؤمنين وكرها من الكافرين جاء في إحدى عشرة آية محكمة احتج الشيخ التجاني بالآيتين المتقدمتين منها والتسع الأخر هي
قوله تعالى في سورة النحل:أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون
وقوله تعالى ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون
وقوله تعالى في سورة آل عمران وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون وقوله في سورة النور ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون
وقوله تعالى في سورة الحديد سبح لله ما في السماوات والأرض،
وقوله تعالى في سورة الحشر سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم،
وقوله تعالى في سورة الصف سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم،
وقوله تعالى في سورة الجمعة يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم،
وقوله تعالى في سورة التغابن يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد
قلت: ولا شك ولا ريب أن عموم هذه الآيات يدخل فيه جميع العوالم الكونية بما في ذلك الأصنام وعبدتها، قال الحافظ بن كثير في تفسير الآية التي في سورة الرعد ما لفظه: "يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ودان له كل شيء طوعا من المؤمنين وكرها من الكافرين، فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله والكافر مستسلم لله كرها فإنه تحت التسخير و القهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع. وقال القرطبي في تفسير الآية التي في سورة آل عمران
قوله أسلم أي استسلم وانقاد وخضع وذل وكل مخلوق فهو منقاد مستسلم لأنه مجبول على ما لا يقدر أن يخرج عنه، وقال في تفسير الآية التي في الإسراء
فالصحيح أن الكل يسبح للأخبار الدالة على ذلك ولو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة فأي تخصيص لداود فإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح كما ذكرنا وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء، فالقول به أولى. وقال النووي في شرح مسلم ج 3 ص164 في تفسير قوله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده الآية، ما لفظه :
"وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلى أنه (يعني تسبيح الموجودات) على عمومه ثم اختلف هؤلاء هل يسبح حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحا منزها بصورة حاله والمحققون على أنه يسبح حقيقة، وقد أخبر الله تعالى وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وإذا كان العقل لا يحيل جعل التمييز فيها وجاء النص به وجب المصير إليه
ثالثها: أن محصل كلام الشيخ التجاني في هذه المسألة يتلخص في محورين
أولهما أن عبدة الأصنام وإن عبدوها في الظاهر فهم يعبدون الله كرها من حيث لا يشعرون والحجة على هذا صريحة في الآيات المتقدمة الذكر وفيما فسرها به الإمام القرطبي والحافظ بن كثير.
ثانيهما أن الله لولا أنه تجلى لهم في الأصنام بحكم القهر لما عبدوها. ويجاب عنه بأن التجلي لفظ أطلقه الله على نفسه في محكم كتابه في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا الآية، ومعنى تجلى ظهر وبان، قاله ابن منظور في لسان العرب تحت مادة جلا عن الزجاج وغيره، قال: وهذا قول أهل السنة والجماعة. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية ج 7 ص200 وتجلى معناه ظهر، قال: وتجلى الشيء انكشف، وقيل تجلى: أمره وقدرته، قاله قطرب وغيره
قلت: ويجاب عنه أيضا بأنهم في عبادتهم للأوثان غير خارجين عن حكم إرادة الله تعالى لأن الله هو الذي زينها لهم عدلا منه بدليل آية وكذلك زينا لكل أمة عملهم وبدليل آية إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا وبدليل والله خلقكم وما تعملون، وهذا العموم الوارد في هذه الآيات لا يقبل التخصيص كما هو القاعدة عند علما ء الأصول في الإلهيات، وأما قوله على سبيل الحكاية عن الله : "بل أنا الإله المعبود فيهم" الذي علق به على آية إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني فيجاب عنه بأن قوله "بل أنا الإله المعبود فيهم" هو على تقدير محذوف، ومعناه عنده : أي المعبود في عبادتهم للأصنام من طريق القهر والإكراه بدليل ما تقدم من قوله في جواهر المعاني ج1 ص159، وهذه العبادة هي المعبر عنها بالسجود كرها وبدليل قوله فيه أيضا ج1 ص221 "واعلم أن حضرة الحق تعالى متحدة من حيث الذات والصفات والوجود كله متوجه إليه بالخضوع والتذلل والعبادة والخمود تحت سلطان القهر وامتثال الأمر والمحبة والتعظيم والإجلال، فمنهم المتوجه إلى صورة الحضرة الإلهية نصا جليا في محو الغير والغيرية ومنهم المتوجه إلى الحضرة العلية من وراء ستر كثيف وهم عبدة الأصنام ومن ضاهاهم، فإنهم في توجههم إلى عبادة الأوثان ما توجهوا لغير الحق سبحانه وتعالى ولا عبدوا غيره لكن الحق سبحانه وتعالى تجلى لهم من وراء تلك الستور بعظمته وجلاله وجذبهم بحسب ذلك بحكم القضاء والقدر الذي لا منازع له فيه وهذا هو التوجه إلى الله كرها